قال وزير الشؤون الخارجية والتعاون، الطيب الفاسي الفهري، أمس الأربعاء (2 نونبر 2011)، إن الشراكة الطموحة بين المغرب ومجلس التعاون الخليجي "تنسجم انسجاما تاما مع التزامات المملكة وتعاقداتها في إطار التوجه المنفتح والمتنوع لشراكاتها القائمة على الصعيدين الإقليمي والدولي". وأضاف الوزير، في معرض رده على سؤال محوري بمجلس النواب حول علاقات المغرب بمجلس التعاون لدول الخليج العربية، أن الوزارة حريصة، انطلاقا من الخطوات التمهيدية المشجعة التي تلت الدعوة الموجهة إلى المغرب، "على البدء في تعاون منسق ومنتظم مع جميع الفاعلين الاقتصاديين والمؤسسات الوطنية والهيئات المهنية المعنية لضمان نجاح بناء هذه الشراكة الطموحة". وذكر الفاسي الفهري بأن المغرب رحب بالمبادرة الوجيهة لقادة دول الخليج خلال قمتهم التشاورية في ماي المنصرم بالرياض، انطلاقا مما تحمله من دلالات استراتيجية "تعكس خصوصية روابطنا الوثيقة مع دول الخليج والقائمة على التضامن الفعلي والتشاور الدائم والتعاون المثمر، وبالنظر لما تزخر به من إمكانيات وفرص مشتركة في انسجام كامل مع اختياراتنا الدستورية، بما فيها انتماؤنا الجيو- سياسي والحضاري والثقافي للفضاء المغاربي والتزاماتنا في نطاق جامعة الدول العربية". وأضاف أن المغرب عبر، على هذا الأساس، عن استعداده للدخول في مفاوضات مع هذا التجمع الهام متطلعا، بروح من الواقعية والإيجابية والتدرج العقلاني، لصياغة إطار أمثل للتعاون يستغل كل الفرص التنموية والسبل التشاركية المتاحة، مذكرا في الوقت ذاته بأن فضاءه الطبيعي والاندماجي يبقى في منطقة المغرب الكبير، خاصة في ضوء الأحداث التي شهدتها المنطقة. وأشار إلى أنه تم الاتفاق، في أعقاب تسليم الرسائل الملكية السامية، وسلسلة المشاورات المكثفة التي أجراها مع نظرائه في دول مجلس التعاون الخليجي، وتنفيذا لتوصيات اجتماع جدة الوزاري (في 11 شتنبر الماضي)، على تشكيل مجموعة عمل تتفرع عنها "لجان متخصصة لدراسة مجالات التعاون والشراكة". وركز الوفد المغربي، يضيف الفاسي الفهري، في هذا الاجتماع الوزاري الأول من نوعه على وضع ملامح "خارطة طريق" تؤسس لشراكة مؤسساتية متقدمة "تذهب إلى أقصى حد ممكن على قاعدة تبادلية المنافع وضمان المكاسب الداعمة لمشاريعنا وخططنا التنموية، بما يعزز موقع المغرب، وجهة جاذبة للاستثمارات". كما تسهم هذه الشراكة المتقدمة، يقول وزير الشؤون الخارجية والتعاون، في تحقيق التكامل المنشود بين الجناحين الغربي والشرقي للعالم العربي وإقامة اندماج عربي حقيقي، فضلا عن عملها على "تكريس رصيد علاقاتنا الثنائية مع دول الخليج الشقيقة التي عرفت نموا ملموسا في السنوات القليلة الأخيرة وتكرس في المقام الأول المصالح العليا لبلادنا". وذكر الفاسي الفهري بأن مجموعة العمل عقدت أول اجتماع على مستوى كبار الموظفين في 19 أكتوبر الماضي بالرياض، وانحصرت مهمتها في وضع منهجية العمل التفاوضية وتحديد المجالات الرئيسية لهذه الشراكة في ثلاثة محاور، هي الحوار الاستراتيجي والسياسي والأمني، والتعاون الاقتصادي والتجاري والتقني والاستثماري، والبعد الإنساني والاجتماعي والقضائي والثقافي. وذكر الوزير أنه سيجري رفع هذه التوصيات للجهات المختصة في الجانبين، علما بأن الجانب الخليجي سيعرض الأمر على المجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي قبل نهاية هذه السنة. في السياق نفسه، أكد الطيب الفاسي الفهري أن المغرب، من منطلق الوفاء لانتمائه الإفريقي الأصيل وعمقه الروحي والاستراتجي الإفريقي، وضع إفريقيا ، منذ تولي صاحب الجلالة الملك محمد السادس العرش في صلب انشغالاته الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية. وفي هذا الصدد، ذكر الفاسس الفهري، في معرض رده على سؤال شفوي بمجلس النواب حول "توطيد العلاقات المغربية الإفريقية"، تقدم به فريق التجمع الدستوري، بأن الدستور الجديد للمملكة جعل من علاقات المغرب مع البلدان الإفريقية "التزاما واضحا قائما على التعاون والتضامن". وقال الوزير إن هذا التوجه التضامني للدبلوماسية المغربية تجسد من خلال الزيارات التي قام بها جلالة الملك لعدد كبير من الدول الإفريقية خلال السنوات الأخيرة ( 20 زيارة رسمية ل 13 دولة)، وتطوير العلاقات السياسية، وعلى مستوى التعاون وتنظيمه مع أكثر من 40 دولة. كما عمل المغرب، يضيف الفاسي الفهري، على تقوية الإطار القانوني لعلاقات التعاون مع البلدان الإفريقية ، مشيرا إلى تزايد ملحوظ في عدد الاتفاقيات القطاعية المبرمة مع هذه البلدان، إذ جرى التوقيع، منذ 1956 إلى غاية منتصف 1999، على 907 اتفاقية، في حين وقعت 801 اتفاقية من 2000 إلى 2011. وأضاف أن الشراكة البين - حكومية تعززت، من خلال تمويل بعض المشاريع التنموية وبرامج التنمية البشرية، كميادين الصحة والري والكهرباء والتعليم، إذ يتابع حوالي 8000 طالبا ممنوحا ينحدرون من 42 بلدا إفريقيا دراساتهم العليا في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، فضلا عن دخول المغرب في تعاون ثلاثي يضم شركاء دوليين ومنتديات الحوار و التعاون بين- القاري مع قوى دولية. وقال الفاسي الفهري، إن الوزارة تولي أهمية خاصة للجانب الاقتصادي من خلال إقامة برامج التعاون التقني، بحضور ومشاركة القطاع الخاص ومقاولات خاصة في قطاعات البنيات التحتية والفلاحة والماء الصالح للشرب والاتصالات والقطاع البنكي والنقل الجوي وقطاع المعادن في حوالي 25 بلدا إفريقيا، وزيادة حركية الاستثمارات الموجهة نحو بالبلدان الإفريقية التي تجعل من المغرب ثاني مستثمر إفريقي في القارة السمراء ، وأول مستثمر إفريقي في غرب إفريقيا. وأضاف الوزير أنه، ومن منطلق ضرورة تعزيز التشاور والتنسيق بين الدول الإفريقية، بادر المغرب، في غشت 2009، بتعاون مع أشقائه الأفارقة لإنشاء تجمع الدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي، يضم 22 دولة، ويهدف إلى دعم العمل المشترك وتقاسم الخبرات في مجالات متعددة، التنمية البشرية والمستدامة ومحاربة الجريمة المنظمة والهجرة. من جانب آخر، ذكر الوزير بالدور الفاعل للمغرب في مجال حفظ الأمن، الذي يستأثر بثلثي النزاعات التي يعالجها مجلس الأمن، وكذا في استتباب السلم والاستقرار وتيسير الانتقال الديمقراطي في بعض البلدان الإفريقية. وقال الوزير في هذا الصدد إن المغرب يتوفر على تجربة ميدانية امتدت على أزيد من نصف قرن، وتميزت بمشاركة أكثر من 50 ألفا من أفراد القوات المسلحة الملكية في عمليات لحفظ واستتباب الأمن عبر العالم، وإسهامها الفعال في أعمال لجنة توطيد السلام باعتبارها أداة لتفعيل التضامن الدولي مع الدول التي تعرف نهاية النزاعات وبداية البناء والمصالحة. وأضف الفاسي الفهري أن المغرب ما فتئ يعمل دون كلل في إطار التعاون جنوب- جنوب بمضمون ملموس وآليات متجددة من أجل إسماع صوت القارة الإفريقية على الصعيد الدولي لإخراجها من التهميش، ومساعدتها على مواجهة تحدياتها الكبرى، بما يحقق أهداف الألفية من أجل التنمية.