حاضر، أعتذر لكم سيدي عن حادث البرلمان، المتعلق بالهندام. أعتذر عنه ليس لأنه حادث عرضي، بل لأنه يعكس سوء خلقي وتربيتي ويعكس ضعف إيماني بحقوق الآخرين، وبحب الظهور والتباهي. إنني لا أعير اهتماما لغيري، لذلك أعمل على فرض اختياراتي على الآخرين والأخريات، ولا يهمني في الأمر إلا رأيي وليذهب الآخرون إلى الجحيم... إنا عليلة ٌ بعلة خفية تظهر كلما حاولت إخفاءها. فما أعتقده أنا، هو الحقيقة المطلقة، بما في ذلك ملبسي طبعا كما ترى، ومأكلي وسلوكي وأفكاري. لا يهم ما يراه الآخرون. ولا تعتقدْ أن الأمر يتوقف عند هذا الحد، فعكسا لما قد تتصور وعكسا للهدوء البادي على قسماتي ولملامح الطيبوبة التي أضعها على محياي، فأنا مملوءة بالقسوة وحب الأذى للآخرين. لقد وجدت نفسي مرارا أمام حالات كان يجب عليّ فيها أن أرد الفعل. لكنني تقاعست. لأنني لا "أحكر" (بثلاث نقط فوق الكاف) إلا على من هو أضعف مني. لم يسبق لي أن تجرأت على صاحب سلطة. لأنني في واقع الأمر جبانة. أتفادى الاحتكاك بمن لهم سلطة عليّ، وأختار من الناس من أستطيع أن أمارس عليهم تأثيري وأكون قد اخترت من لا يستطيع الصراخ في وجهي. فأنا من النوع الذي يخاف ولا يحشم. أطلب المعذرة بل المغفرة على كل ذنوبي، أنا المذنبة الممجوجة. أنا أعرف ذاتي قبل الآخرين ووقاحتي قد يجدها أطباء النفس تفريغا لمهانة يشعر بها المرء في نفسه فلا يرتاح إلا إذا أفرغها شحنات من الحقد عبر وضع الناس في حالات احتقار لأنفسهم. هناك يرتاح كلما نجح في اقتسام الشعور بالمهانة.. لقد تجاوزت حدودي بذلك السلوك الأرعن الذي يعكس ابتعادي عن الأصول. ولكن خفة اعتباري للآخرين هي المسئولة عن ذلك. إن الأمر أكبر مني وأصعبُ على الضبط... فهل تتجاوز عن خطأي – سيدي - وتمنحني فرصة لأصحح سلوكي ما استطعتُ؟ +++++ هذا اعتذار من باب التخيُّل طبعا، لم يصدر عن خديجة الرحالي، التي تستحق كل التضامن والاعتبار. فمن عليه الاعتذار هو السيد الوزير. وستكون الفقراتُ أعلاه مناسِبة له، بالتأكيد، لو أعاد صياغتها باسم المتكلم المذكّر... فليحاول، ولو سرّاً، بينه وبين نفسه. وإنني لأتصور كيف سيكون موقف السيد الوزير لو تجرأ أحدنا، نحن أبناء السبيل، على توجيه ملاحظة من نفس القاموس الذي استعمله، بخفة لا تصدق، في حق صحفية خلال أدائها لمهامها، لا تعرفه لا من حواء ولا من آدم... ماذا سيكون موقفه لو توجه أحدنا لابنته أو زوجته أو أخته أو سيدة أخرى من أسرته بنفس السلوك ... أما أنا فأحذره ألا يتطاول على امرأة أو فتاة من أسرتي ومعارفي، ليس لأنني سأمتشق الحسام المهند لأجهز عليه. لا، أبدا. بل لأن لسانهن القاطع سيمتد إليه لتأديبه حتى يتصبب عرقا و"يندم على اليوم الذي ولدته أمه" كما يقول مغاربتنا الرائعون. إذ هكذا ترعرعت النساء من حولي، في أسرتي ومعارفي. هكذا أعرفهن. ترعرعن على احترام الناس سواسية، رجالا ونساء، وبالمقابل تعلمن تقريع من لا يحترم نفسه ويتطاول على الآخرين. أما السلوك المتحضر للسيدة خديجة الرحالي فهو من حظ السيد الوزير ليس إلا.