المستقرئ للمسار الذي أخذته العلاقات المغربية الروسية في الأربعة عشر سنة الأخيرة، يسجل حصول تطور مهم بدأت معالمه الاستراتيجية ترتسم منذ زيارة الملك محمد السادس إلى موسكو في أكتوبر 2002، فاتخذت هذه العلاقات منحنى تصاعديا تتوج في سنة 2006 بزيارة رسمية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الرباط، تم فيها توقيع اتفاقات عديدة ظهرت ثمرتها بشكل واضح على تحسن المبادلات التجارية بين البلدين والتي تقدر بحوالي 2,5 مليار دولار، وارتفاع الاستثمارات الروسية في المغرب لاسيما في القطاع السياحي، هذا فضلا عن تجديد اتفاقية الصيد البحري، وفتح الأسواق الروسية أمام المنتجات البحرية المغربية، وتعزيز التعاون في المجال العلمي. لكن، مع كل هذا المسار التصاعدي، إلا أن هذه العلاقات لا زالت في طورها التقليدي، كما أن مستواها لا يتناسب مع الرهانات المغربية. ثمة على الأقل ثلاث اعتبارات مركزية تدفع في اتجاه تطوير هذه العلاقات والرقي بها إلى الأفق الاستراتيجي: -أول هذه الاعتبارات، هو الحاجة إلى خلق توازن في العلاقات الروسية ببلدان المغرب العربي، والطموح إلى أكثر من هدف تحييد روسيا في النزاع على الصحراء فقد أبانت محنة مسودة القرار بتوسيع صلاحيات المينورسو في الصحراء لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، أن وضع البيض كله في السلة ألأمريكية أو الفرنسية يكون مضرا لمصالح المغرب الحيوية، كما أظهر المسار التاريخي الطويل أن فتح نافذة واحدة لروسيا – هي الجزائر- في منطقة المغرب العربي كلفته غالية وأنه من الخطأ إعادة تكرار التجربة أو مجرد خلق بعض شروطها لاسيما وأن روسيا الآن تتطلع إلى تقوية نفوذها في منطقة المغرب العربي. - ثاني هذه الاعتبارات، وهو ما يتعلق بضيق أفق الرهان على الاتحاد الأوربي وحده، فقد أظهرت ظروف الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، أن ارتهان المغرب لأوربا كلفه كثيرا، بحيث تكبد الاقتصاد المغربي خسائر كبيرة بفعل انتظار عافية منطقة الأورو، لولا أنه أجرى تعديلات كثيرة على نموذجه الاقتصادي في السنوات الأخيرة، كما أظهرت الأزمة الأخيرة التي عرفتها المنتجات الفلاحية المغربية بفعل تعديل الاتحاد الأوربي للاتفاق من جانب واحد أن الحاجة أضحت ملحة للبحث عن أسواق جديدة حتى لا ترتهن المصالح المغربية لإرادة الفاعل الأوربي الذي لا يكلف نفسه حتى التشاور مع الجانب المغربي عند الرغبة في مراجعة الأسعار المرجعية التي تم الاتفاق عليها بين الطرفين. - ثالث هذه الاعتبارات، وهو ما يرتبط بسقف الطموح العالي الذي رفعه المغرب، إذ الالتحاق بالدول الصاعدة، كما تبين ذلك تجارب هذه الدول نفسها، يقتضي تنويع العلاقات الاستراتيجية وعد الاكتفاء برئة واحدة، فالمغرب بحكم حالة الاستقرار الفريدة التي يعيشها في المنطقة العربية، وبحكم جاذبيته للاستثمار، وبحكم الإمكانات الاقتصادية والتجارية التي يحظى بها، يحتاج إلى أن يتحرر من الارتباط بتوجه تقليدي في علاقاته الدبلوماسية، إذ يستلزم منه هذا الطموح أن ينفتح على روسيا والصين واليابان دون أن يكون لذلك اثر سلبي على علاقاته الاستراتيجية مع الولاياتالمتحدة ألأمريكية والاتحاد الأوربي. نعم ثمة تحديات كبيرة تجعل هذه المهمة صعبة، فعلاقات روسيا مع الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوربي عرفت قمة توترها بسبب أوكرانيا من جهة وسوريا من جهة ثانية، وإدخال أبعاد أخرى في العلاقات المغربية الروسية يمكن أن يؤثر بنحو ما على العلاقات المغربية مع شركائه الأوربيين والأمريكيين لاسيما إن تطورت الأحداث بشكل سلبي في أوكرانيا وأخذ الحصار الأوربي والأمريكي لروسيا بعد مؤسسيا، ، لكن في ظل الأجواء الهادئة التي بدأت تعرفها هذه الجبهة بسبب الاتفاق الروسي الأوكراني الأخير، وفي ظل قرار روسيا بالانضمام للتحالف الدولي لمواجهة الإرهاب في سوريا والعراق، وأخذا بعين الاعتبار المسافة البعيدة التي تفصل المغرب عن منطقة الشرق الأوسط، هذه العوامل الثلاثة تجعل هذه التحديات في هذه المرحلة تحت التحكم لاسيما إن عرف المغرب كيف يشغل دبلوماسيته ضمن السقوف المتاحة، وهو أمر تدرك الدبلوماسية المغربية كيف تديره بذكاء بمعنى، أن الظرفية باتت مواتية جدا مع الزيارة الملكية المرتقبة لروسيا في أكتوبر المقبل، أن ينتقل المغرب بسلاسة بعلاقاته مع روسيا من الطور التقليدي إلى الطور الاستراتيجي، وأن يستثمرهااستراتيجيا لمنع أي اختلال في التوازن الإقليمي يضر بالمصالح الحيوية للمغرب، وسياسيا حتى يقلل من حجم الضغوط الدولية التي تستثمر ملف حقوق الإنسان لإضعاف الموقف المغربي، واقتصاديا لإعادة بناء نموذج اقتصادي قوي لمغرب صاعد غير مرتهن لأي محور تقليدي يلحقه العطب السريع في حالة حدوث انكماش فيه.