هي حلم اقتصادي.. ولكن أيضا كابوس إيكولوجي.. فما العمل؟ رأيان يستوجبان نقاشا وطنيا لضبط ما يتوجب عمله.. فهل يقبل بلدنا طغيان الهاجس الاقتصادي على حساب البيئة الطبيعية؟ اتفاقيات تنم عقدها مع شركات بترولية عالمية لتقييم المردودية الغازية للمغرب.. وهي عازمة على إدخال البلد في التصنيع البترولي، خاصة بالمناطق التي تحتضن صخورا نفطية، بتيمحضيت وطرفاية ودكالة.. التقييم الأولي يفيد أن هذه المناطق ستنتج براميل من الغاز الطبيعي في حدود حوالي 50 مليار برميل، وسوف تدر على البلد مبالغ مالية مهمة.. ولكن، وهنا يتوجب النقاش، هل سنكون بالفعل رابحين؟ أم خاسرين؟ هل نستفيد من هذه الأموال؟ أم لن تكفينا حتى لمعالجة آثارها السلبية على حياتنا المشتركة؟ وهنا تتحرك فئات من المجتمع المدني المغربي للمقارنة بين الربح والخسارة.. فهل نقتل شجرة الأرز، ومعها تراثنا الطبيعي والبشري، للدخول في مغامرة الصخور، حتى وهي غير محسوبة العواقب؟ وماذا تحديدا سنربح؟ وماذا تحديدا سنخسر؟ وما هي طبيعة الموازنة بين الربح والخسارة؟ وبهذا الخصوص، نظم المجتمع المدني في مدينة أزرو ملتقى لتقييم الربح والخسارة، فأجمع المتدخلون على أننا مهما طحننا من صخور وأستخرجنا من غازات طبيعية، سيكون الرابح هو الخارج وليس الداخل.. ولنبدأ بالصخور.. الصخور النفطية ليست جديدة.. ظهرت في ستينات القرن الماضي، وتم الإعلان عنها رسميا في السبعينات، لكن المغرب قرر تجميد المشروع، بمبرر أن تكلفة الإنتاج كبيرة جدا، ولا تبقي لنا هامشا مهما من الأرباح.. توقف المشروع النفطي على الأوراق، وظهر من جديد في المدة الأخيرة، فانطلقت شركات نفطية عملاقة، وأصبحت هي نفسها وراء أحلام مالية للمغرب، على منابر إعلامية كثيرة.. ومنابر متعددة خارج الحدود ترسم خارطة البترول عندنا.. وتعلن أن المغرب سيكون سادس منتج للغاز الطبيعي من الصخور النفطية، بعد الولاياتالمتحدة وروسيا والبرازيل وإيطاليا والكونغو.. وهذا يعني أن صخور تيمحضيت وطرفاية ودكالة ستجعل بلدنا سادس قوة غازية في العالم.. حلم كبير.. ومهم جدا.. فهل نقضي على مقومات الحياة الطبيعية لتحقيق هذا الحلم؟ الإيكولوجيون المغاربة أعلنوا في ملتقى أزروا، قريبا من تيمحضيت، أن الدولة لم تستشر سكان المنطقة.. اتخذت قرار التعاقد مع الشركات النفطية الدولية، دون استشارة ملاك الأرض في قرية تيمحضيت.. وخرجت مسيرة لنخبة من الخبراء المغاربة في عين المكان، وأعلنت أنه لا يمكن قبول تحويل أراضي (إيمازيغن)، في (تيمحضيت) إلى ذهب أسود لفائدة شركات عملاقة، على حساب غاباتنا وحياتنا.. وأضافوا أن هذه مغامرة تخرق القانون، لسبب بسيط هو أنها لم تستشر أحدا من أصحاب الأراضي.. ورددوا ما يقوله علماء بيئيون في مختلف أرجاء العالم، ومنها أوربا وأمريكا، من أنهم ليسوا ضد التنمية، ليسوا ضد التطور، ليسوا ضد استثمارات، لكنهم لا يقبلون تدمير الحياة من أجل تغذية صناديق الغير.. وأعلنوا أنهم سيستعينون بالشبكة الدولية للمجتمع المدني الإيكولوجي الذي يسعى للضغط على السياسيين كي يعتبروا المساس بالطبيعة خطا أحمر.. وأنه غير مقبول بتاتا اغتيال الطبيعة، مهما كان الثمن.. فالحياة لا ثمن لها.. وهذه الشبكة الإيكولوجية تقف وراء الضغوطات التي أدت بالجمعية العامة للأمم المتحدة إلى عقد جلستها الأخيرة حول المخاطر التي تهدد القطب الشمالي، ومن خلاله تهدد الحياة على كوكب الأرض.. وحركات الخضر أصبحت ذات تأثير على التوجهات السياسية، وخاصة في الأقطار الديمقراطية.. وعندنا يختلف الأمر.. الأحزاب في حالة سبات.. البرلمان منشغل بأمور أخرى.. والنقابات تزغرد وحدها لوحدها، وكأن أحدا لا يراها ولا يسمعها.. والمجتمع المدني في حالة تغييب وصراعات.. هذه حالنا.. وهذا ما يفسر كون نخبة قليلة تتحدث عن أوسخ نفط وأكثره تلويثا وأخطره على الحياة الطبيعية.. في فرنسا برامج تلفزية تناقش مشروع صخور نفطية في سواحلها الوطنية.. وقال أحد المتدخلين: لا داعي لأوراش في السواحل الفرنسية ما دمنا نستطيع أن نستورد غازا طبيعيا من جهات أخرى منها المغرب.. ها هم يتحدثون في إعلامهم عن صخورنا.. وفي أمريكا، نقاشات كثيرة عن مخاطر الصخور النفطية.. العالم في غليان إيكولوجي.. ونحن، كأن شيئا لا يقع.. الأحزاب والبرلمان ومختلف الفئات المعنية صامتة تماما، وإذا تكلم بعضها أو جزء منها، فبلغة (العام زين).. لا يتساءلون: هل الصخور الغازية ستقضي على الفقر في المغرب؟ هل ستنهي مشكل التشغيل؟ هل ستؤدي إلى تحسين التعليم؟ والصحة، والحياة اليومية للمجتمع؟ وهل هناك ما يثبت أن الصخور النفطية قادرة على تطوير البلد، أي تطوير الحياة البشرية في هذا البلد؟ ولا يتساءلون: عندما ندمر الصخور لاستخراج الغاز، ألا ندمر الحياة في محيط الأوراش؟ ألا ندمر حياة الناس والحيوانات والطيور واالتراث والثقافة المحلية؟ وأكثر من هذا الاجثاث: ألا نجلب إلى بلدنا تلوثا لم يسبق له مثيل؟ ألا نتسبب في أمراض لم يسبق لها مثيل؟ ألا نقضي على الهواء؟ ألا نقتل الأوكسيجين؟ ثم لا تتساءل (مؤامرة الصمت): إن الطبيعة قد أنتجت الصخور النفطية في زمن ليس يسيرا، إنه ملايين من السنوات.. الطبيعة أنتجت في ملايين السنوات هذه الصخور وما تحتها من طاقات طبيعية، ونحن تحت غطاء الكسب المالي نقوم بتدميرها، علما بأن محتواها سنستهلكه إذا كان لنا حق في الاستهلاك، في مدة سنوات معدود.. فهل هناك ما يضمن أن أبناءنا وأحفادنا لن يتضرروا مما نحن اليوم فاعلون؟ أليس من واجب مسؤولي اليوم ألا يضروا الأجيال القادمة؟ وتساؤل أخير من أحد الخبراء: لنفرض أن مشكلا قد حصل على السطح أو تحت آليات الأوراش، هل عندنا ما يثبت أننا نحن المغاربة نستطيع أن نتدخل؟ ونستطيع أن نعالج المشكل بحسم، ونستطيع أن نعود بالطبيعة إلى حالتها الطبيعية؟ هل نستطيع؟ وكيف؟ لا أحد فينا ضد التنمية.. هذا يقوله الجميع.. (ولكن تنمية يكون ثمنها حياتي، هذه غير مقبولة)، هذا ما يقوله خبراء البيئة.. ومن فينا يقبل تنمية قاتلة؟ إننا في رهان على الحياة.. وعلينا بنقاش وطني حول معركة الصخور.. أما أن تأتي شركات عملاقة، هدفها هو الربح السريع، ولو على حساب بيئتنا الطبيعية، فنحن بلد سيادي، وعلى مسؤولينا أن يفتحوا هذا النقاش الوطني حول (عصير الصخور) في تيمحضيت وطرفاية ودكالة.. فهل عصير الصخور مسموم؟ أم فعلا مفيد للصحة الوطنية؟ والسلامة الوطنية؟ هل هو مفيد لنا اليوم، ولأبنائنا وأحفادنا غدا وبعد غد؟ ولا نقبل أن تعمينا الشركات العملاقة اللاهثة إلى الربح السريع، بحيث نرى الربح ونغفل عن الخسارة.. تساؤلا يجب طرحها في نقاش وطني.. وكيف ننسى أن عندنا طاقات بديلة؟ طاقات موجودة في رياحنا النقية.. وسمائنا الجميلة.. وشمسنا الساطعة في كل الفصول.. وفي بحرنا الزاخر.. في هذه الطاقات البديلة بالذات، يجب أن نواصل الاستثمار.. فقد تبين للعموم، ولكل العالم، أن الطاقات البديلة ناجحة عندنا، وأن الأفق المغربي فيها يبشر بكل خير، وأن علينا نحن مسؤولي اليوم أن نواصل استراتيجية بناء الطاقة النظيفة.. هذه الطاقة النظيفة ستشجع على كل خير.. فعندما يكون بلدنا أنقى، سيأتيه زوار من كل الأصقاع.. وسيأتي مستثمرون.. وسياح.. وأفكار بناءة من كل جهات العالم.. وسيذكر التاريخ أن المغرب لم يفرط في أبنائه وأحفاده.. وأنه لم يفرط في الهواء والماء.. وأن الحياة في المغرب، ومع المغرب، جميلة جميلة جميلة.. سيقول التاريخ هذا، إذا كنا نحسن قراءة التاريخ.. وإن غدا لناظره قريب.. [email protected]