بِخِلاف كثيرٍ من الباحثين في التاريخ المغربيّ، ذهبَ مُدير مؤسسة أرشيف المغرب، جامع بيضا، إلى القوْلِ إنّ المُباحثات التي جرتْ بين المسؤولين الفرنسيين وممثلي الحركة الوطنية المغربية، في مدينة "إيكس ليبان" شهر غشت من عام 1955، لم تكنْ مُفاوضاتٍ بيْن الجانبين، بل "جلساتِ استماع"، وفقَ ما يتضمّنه أرشيف وزارة الخارجيّة الفرنسية. وقال بيضا، في مداخلة له ضمْن أشغال جامعة مولاي علي الشريف بمدينة الريصاني، إنّ اللقاءات لم تكن مفاوضات بين الطرف الفرنسي وبعض الفاعلين المغاربة "بقدر ما يتعلق الأمر بجلسات استماع أنصت خلالها "حكماء فرنسا" إلى وجهات نظر شخصيات مغربية حول الأوضاع الحرجة في المغرب، وعن تصوّرات كل واحد منها في شأن الأزمة المغربية-الفرنسية". وعَزَا المُتحدّث تضاربَ التّسميات، في مُعظم الدراسات التي تناولتْ مفاوضات "إيكس ليبان" التي أعقبتْ إقدام السلطات الفرنسيّة على نفي السلطان محمد الخامس، بيْن من سمّاها ب"المؤتمر"، و"المفاوضات" و"المشاورات"، إلى عدم اعتماد أرشيف تلك المرحلة، يُعطي فكرة دقيقة وموثّقة عمّا جرى في لقاءات "إيكس ليبان". وتابَع مدير مؤسسة أرشيف المغرب، حينَ حديثه عن التطوّرات السابقة لجلاء الحماية الفرنسيّة عن المغرب، وحصوله على استقلاله سنة 1956، أنّ فرنسا وجدتْ نفسها في مأزقٍ بسبب قرارها نفي السلطان، وهو ما أدّى إلى فوران شعبيّ داخليّ، وأضافَ أنّ الحالة الداخلية كانت أكثر وقْعا من المُعطى الخارجي، ومنْه الثورة التي كانت تشهدها الجزائرية، والدعوات القادمة من مصر لتسريب الأسلحة إلى المغرب. وجواباً على سؤالٍ حوْل السبب الذي جعل فرنسا تذعنُ لمطالبِ جلاء حمايتها عن المغرب وتونس، وتمسّكها بالبقاء في الجزائر، قال بيضا إنّ تونس والمغرب كانتَا تحت الحماية الفرنسية، والتي تعني احتلالا مؤقّتا، بيْنما سادَ الاستعمارُ في الجزائر التي تحوّلت إلى ثلاث مقاطعات فرنسية، وكانتْ فرنسا تعتبر الجزائر جُزءً من فرنسا، "وبالتالي وجب التخلّص، بشيء من المُرونة، من المغرب وتونس، مع الحفاظ على المصالح الفرنسية بالبلديْن".