يمر اليومُ الثامن عشر من شهر دجنبر، بشكل سنوي، دون أن تنال اللغة العربية نصيبها الكامل من الاحتفال بيومها العالمي، إلا من بعض المقالات والندوات التي لا يكاد يصل صداها إلى المهتمين بهذا الملف وطنيا ودوليا. ويأتي الاحتفاء بلغة الضاد، في ال18 من دجنبر هذه السنة، في الوقت الذي تتعالى فيه العديد من الأصوات هنا وهناك، منادية بضرورة تقليم أظافر اللغة العربية وتشذيبها، مقابل العناية والاهتمام أكثر بلهجات ولغات أخرى. احتفالٌ باهتٌ وواقعٌ أبْهَت وفي الوقت الذي تقرر فيه الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في 18 دجنبر، قبل سنتين اثنتين، بعد اقتراح مشترك بين المغرب والسعودية، يرى عبد الرحمان الوادي، دكتور في البلاغة العربية، أن الاحتفال النادر بهذا الحدث راجع لكونه "مرتبط بالثقافة، والثقافة في مُعتقد الكثيرين ضلال لا تجتمع عليه الأمة". حال اللغة العربية في الآونة الأخيرة، يُشَبِّهُه الوادي "بحال الأيتام في مأدبة اللئام"، موضحا ذلك في "ظلم ذوي القربى قبل الأغراب"، ومُعتبرا ترسيمها في الدستور "مجرد حبر على ورق، والتعاملات الإدارية ما تزال تعيش في عهد الحماية الفرنسية إلى اليوم". وأشار إلى أن "اللغة ليست أداة تواصل بين أفراد المجتمع الواحد، بقدر ما هي كائن حي يتفاعل مع محيطه سلبا وإيجابا، وعلاقة اللغات الإنسانية فيما بينها علاقة تكامل في تضاد، وتأثير وتأثر بفعل الهجرات والحروب والتجارة وغيرها"، على حد تعبير ذات المتحدث. العربية في بلاد المهجر وعن اللغة العربية بالدول الأوربية، أوضحت نزهة الوافي، عضو إحدى الشبكات البرلمانية بأوربا، أن العربية "ترتبط بالجاليات الإسلامية والعربية والسلك الدبلوماسي للدول العربية والإسلامية، وتُتداول في المدارس العمومية والخاصة، والمراكز الإسلامية والمراكز الثقافية". وبعد أن أشارت الوافي إلى أن "مشكلة توسع اللغة العربية مرتبط بأهلها الذين يهمشونها لصالح لغات أجنبية، خاصة اللغة الانجليزية"، أبرزت أن "الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في الدول الأوربية يتطلب إطارا عالميا على غرار الفرانكفونية". وحملت المتحدثة مسؤولية ذلك إلى الدول العربية وجامعتها أولا، والأمم المتحدة ثانيا"، حيث يصعب توقع الاحتفاء بالعربية في الدول الأوروبية و غيرها، "في الوقت الذي لا تحتفل به بعد الدول العربية نفسها بشكل قوي بهذا الحدث". التعليم بين العربية والدارجة الدكتور عبد الرحمان الوادي ذهب إلى أن إدماج الدارجة في التعليم "باطل أريد به حق، باعتبار التعليم ظل ولا يزال حقل تجارب لجملة من السياسات الفاشلة، مع تيقن المنادين بالدارجة من فشلها". وترى البرلمانية الوافي أن "النقاش حول الدارجة في أوساط الجالية غير مطروح بنفس الحدة التي طرح بها في المغرب"، مؤكدة أن "طرح هذا الموضوع مرتبط بدوائر ضيقة، وليس له صدى يذكر". ومن جهته قال الدكتور مصطفى شميعة، عضو المكتب الوطني للجمعية المغربية لحماية اللغة العربية، في تصريح لهسبريس، إن "الدعوات بإحلال الدارجة محل العربية أصبحت علنية، وتُطلق في منابر رسمية، وباتت تطال المدرسة المغربية، وقد تصل مؤسسات أخرى أكثر أهمية". وأكد المتحدث أن "محاولة إدماج الدارجة في التعليم هي خطة تندرج في محاولة القضاء على اللغة العربية، ومحوها من الوجود المؤسساتي، وخاصة في أهم مؤسسة اجتماعية هي المدرسة"، على حد قول شميعة. محاربة اللغة العربية شميعة قال إن "اللغة العربية تعيش ظروفا صعبة بسبب ازدياد التربص بها من قبل خصومٍ يعلنون جهرا معاداتها، يوُطلقون حملات التغريض ضدها، بالادعاء أنها لغة كلاسيكية تعود إلى العهود البائدة". وأردف المتحدث قائلا "حتى تخليد اليوم العالمي للغة العربية يمر في ظروف صامتة، لولا بعض المنابر الغيورة التي تحمل على عاتقها الاحتفاء بهذا اليوم"، على حد تعبير شميعة. وعن علاقة العربية بالأمازيغية، أكد شميعة أنها "علاقة تكامل، ولم تكن علاقة نشاز أو صراع في أية لحظة من لحظات التاريخ المغربي"، مُعتبرا "اللغة العربية هوية أخرى للأمازيغية". ولفت المتحدث إلى أن أمازيغ المنطقة أقبلوا على العربية، ونهلوا منها المعارف والعلوم، وخلقوا بواسطتها أشكالا من التواصل مع الذات ومع العالم والمحيط، والدليل هو وجود كمّ هائل من المفردات العربية باللغة الأمازيغية"، وفق تعبير شميعة.