الخسائر الجسيمة التي مني بها المغرب في مجلس اوروبا على المستويين السياسي و القيمي، والتي من المرجح أن تتضاعف في المستقبل، تفرض على المغرب العمل على إلغاء شراكته مع مجلس اوروبا (وليس الاتحاد الأوروبي للفرق الشاسع بينهما) بإلغاء توقيعه على اتفاقية "الشريك من أجل الديموقراطية". وقبل الدخول في بيان دواعي ذلك، يستحسن التذكير بأمور مهمة، أولها أن اتفاقية "الشريك من أجل الديمقراطية" مع مجلس اوروبا ليست شرطا في الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي و لا في الوضع المتقدم الذي يتمتع به المغرب فيه، وبالتالي فلن يتضرر المغرب بشيء في علاقته بالاتحاد الاوروبي من ذلك الإلغاء. ثانيها، أن البرلمان المغربي، في شخص رئيسي الغرفتين ودون قرار من المجلسين، هو الذي بادر بالمطالبة بتوقيع تلك الاتفاقية سنة 2011، واليوم يمكن لمجلسي البرلمان بمبادرة من فرقه اتخاذ قرار الانسحاب منها في أي وقت. ثالثها، أن الذي يستفيد من تلك الاتفاقية من الناحية المالية، باعتبارها من المنجزات، هو مجلس اوروبا بصفته إحدى مؤسسان "الاتحاد الأوروبي" التي تعني بمجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني، وتلك الاتفاقيات هي منجزاته التي يستزيد بها التمويل من الاتحاد، والمغرب لا يستفيد إلا من برامج المصاحبة و التأطير التي يوفرها مجلس اوروبا في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان و يتلقى "الطلقات القاتلة" التي أطلقها وسيطلقها المجلس مستقبلا. الملاحظات السابقة مهمة في تقييم اتفاقية الشريك من أجل الديمقراطية، وفي بيان أن الحديث عن إلغاءها أمر عادي لكنه اليوم أصبح واجبا وطنيا ينبغي أن يتحمل فيه الجميع المسؤولية، بالنظر إلى الأخطاء الجسيمة التي ارتكبت في حق المغرب وشعبه و أرضه في إطارها، والتي يرتقي بعضها إلى تهديد التماسك السياسي والاجتماعي فيه و تهديد وحدته الترابية. ويمكن بيان دواعي إلغاء تلك الاتفاقية من خلال المحاور التالية التي سنتناولها باقتضاب تفرضه طبيعة الموضوع وحيزه. على المستوى السياسي: مني المغرب بخسارة فادحة تنسف الغايات السياسية التي كانت تبرر انضمامه إلى اتفاقية الشريك من أجل الديمقراطية، وذلك من عدة نواح. أولا مجلس اوروبا الذي كان المغرب يعول عليه في إنصافه في ملف الصحراء، يساوي في تعامله بين الدولة المغربية ذات السيادة و الحركة الانفصالية "البوليزاريو" ! وإذا كان المغرب قد انسحب من الاتحاد الافريقي لأنه يعترف عمليا بما يسمى " الجمهورية الصحراوية" فإن انسحابه من مجلس اوروبا وإلغاء الاتفاقية المشار إليها أولى من الانسحاب من تحمل الأعباء السياسية الثقيلة للانسحاب من الاتحاد الإفريقي الذي هو منظمة دولية تضم 52 دولة إفريقية كثيرا ما تضرر المغرب من "الكرسي الفارغ" فيها. ثانيا، كون الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا أسقطت (مؤقتا، وقد يعاد طرحه من جديد) تعديلا خطيرا بشأن ملف الصحراء يتناغم مع الأطروحة الانفصالية وخارج قرارات مجلس الأمن، فإن ذلك لا يعني سوى أن هذا المجلس لا يقيم وزنا للاتفاقية التي تربطه بالبرلمان المغربي والتي يستدر بها ملايين الأورو من الاتحاد الأوروبي، ويجعل علاقاته بالمغرب رهينة التوازنات السياسية فيه. و تلك الاتفاقيته مع المغرب يراهن المجلس على تسويقها في المنطقة للإيقاع بضحايا جددا فيها، بعد أن فشل في إقناع تونس مند سنين لتوقيعها. وإلغاء اتفاقية الشريك من أجل الديمقراطية" ضربة سياسية و مالية موجعة للمجلس خاصة في رهانه على نجاح "برامج القرب" التي يعتبر المغرب أيضا الوحيد الذي يوقعها معه، ودرسا سياسيا قويا في احترام الدول و الشعوب. ثالثا، اتجه المجلس في قراره الأخير ضد المغرب إلى اعتماد روايات موظفين أمميين ومنظمات حقوقية تبني تقاريرها على التقارير الاعلامية وخاصة تقارير إعلام "البوليزاريو" و الجزائر، وسبق أن أعلن جلالة الملك محمد السادس في خطاب الذكرى 39 للمسيرة الخضراء في 20 نونبر2014، أنه "لا لمحاولة التوازي بين دولة عضو في الأممالمتحدة، وحركة انفصالية. ولا لإعطاء الشرعية لحالة انعدام القانون بتندوف. فسيادة المغرب لا يمكن أن تكون رهينة، لأفكار إيديولوجية، وتوجهات نمطية لبعض الموظفين الدوليين. وأي انزلاقات أو مغالطات، سترهن عمل الأممالمتحدة في هذه القضية". ويمكن أن نخلص إلى أن الأذى الذي تحصل للمغرب في مجلس اوروبا في قضيته الوطنية مبرر كاف لإلغاء تلك الاتفاقية وبشكل مستعجل. على المستوى القيمي في هذا المستوى كشف مجلس اوروبا عن مراهقة سياسية كبيرة، فالقرار 2067 الذي صادقت عليه الجمعية البرلمانية لمجلس اوروبيا في 23 يونيو 2015 طالب المغرب أيضا بأمور هي بمثابة حثه على "الانتحار التشريعي"، وغياب رد فعل قوي من المغرب تجاهها لا يمكن فهمه إلا على أنه إقرار ضمني من المغرب بإمكانية قيامه بذلك الانتحار. والجمعية البرلمانية لمجلس اوروبا تعاملت مع المغرب كما لو أنه عضو في الاتحاد الأوروبي وتجاهلت كل خصوصياته التاريخية والدينية، ودعته إلى الالتزام بنموذجها المجتمعي في قضايا الأحوال الشخصية التي يجمع العالم على أنها المجال الأكثر تعبيرا عن خصوصيات الشعوب والمجتمعات، و أنها أساس التماسك الاجتماعي و أحد أهم مكونات النظام العام، وأنه على هذا الأساس يحق للشخص أن يصطحب معه أينما حل في العالم حقه في التعامل معه على أساس منظومته الوطنية في الأحوال الشخصية. كل هذا تجاهله مجلس أوروبا وضرب به عرض الحائط حين طالب المغرب بالإصلاح التشريعي لنظام الإرث لتحقيق المساواة بين الجنسين، و حذف تجريم الزنى و الشذوذ من قانونه الجنائي، وحين طالبه بفتح نقاش عمومي حول تعدد الزوجات. إنه طريق الانتحار السياسي والاجتماعي بامتياز، و هذا ما يؤكد بعد المراهقة بل والعبثية في سياسة مجلس اوروبا تجاه المغرب. إن ما سبق يؤكد أن الواجب الوطني يفرض على البرلمان المغربي إلغاء اتفاقية الشريك من أجل الديمقراطية لأنها أصبحت تمثل تهديدا لاستقراره السياسي والمجتمعي، ولن يخسر المغرب شيئا يذكر بإلغائها. لكن واجب الانصاف يفرض علينا نقدا ذاتيا ومحاسبة. ذلك أن مطالب مجلس اوروبا قبل بدأ تحويلها اليوم إلى قرارات، كانت معلومة لدى البرلمان المغربي سنين قبل التوقيع، لذلك فطلبه بوضع الشريك من أجل الديمقراطية و توقيعه تلك الاتفاقية في 21 يونيو 2011 يستوجب فتح تحقيق حولها، ومحاسبة المغامرين بالثوابت الوطنية.