يحيي الألمان اليوم السبت الذكرى الفضية للوحدة بين شرق وغرب ألمانيا التي شكلت محطة هامة في حياة الشعب الألماني وغيرت مجراه التاريخي. فمنذ ثالث أكتوبر من سنة 1990 عادت ألمانيا دولة موحدة بعد أن سقط جدار الفصل ، فكانت بداية انطلاق مسلسل تحديث البنيات الاقتصادية والاجتماعية بالنسبة للشطر الشرقي للبلاد. ولم تكن هذه الوحدة التي تعتبر مبعث فخر واعتزاز كل الألمان وحدثا تاريخيا ، بالأمر السهل بل واجهتها العديد من التحديات ، فتكاثفت الجهود لرفعها وتحقيق أهداف الثورة التي خرج فيها الآلاف من المواطنين ، فأسقطوا سور برلين ومعه كل القيود التي لازمت شعب الشطر الشرقي لأربعة عقود. فهذا اليوم الذي يؤرخ لولادة عهد جديد لألمانيا تفرد له احتفالات كبيرة تعم جميع أنحاء البلاد لما له من وقع إيجابي على المواطنين الذين حرموا من جملة من الحريات لعقود منها حرية السفر والتنقل. فبذل الألمان كل الجهود من أجل التغيير والإصلاح ، وفي ظرف شهور معدودة بعد سقوط جدار برلين تحقق حلم الوحدة ، في وقت لم يكن أحد يتوقع أن التطورات المتلاحقة ستقطع مع فترة التقسيمات السياسية العالمية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية. في يوم 12 شتنبر 1990 تم التوقيع على معاهدة ( 2 زائد 4 ) التي كانت أول خطوة لعودة الوحدة الألمانية ، وفي ثالث أكتوبر دخلت الوحدة حيز التنفيذ ، فاعتمد دستور واحد ، وعملة واحدة ، وجيش واحد ، ومجتمع واحد مبني على الثقة في المستقبل. فالمشاكل والصعوبات ظهرت في السنوات الأولى من الوحدة التي جاءت في ظرفية لم يكن أحد يتوقعها ، لكن سرعان ما تبدد معظمها بفضل التجربة الألمانية القوية في مواجهة المصاعب. وقد تمكنت البلاد في ربع قرن على وحدتها من تحقيق نجاحات هامة وعلى مستويات عدة ، حتى أصبح العالم بأسره ينظر بإعجاب لبلوغها مركز الصدارة في الاقتصاد فأصبحت لها الكلمة الفصل بالقارة الاوروبية في القطاع . ويرى المحللون الاقتصاديون أن من ضمن العوامل التي ساهمت في نجاح الاقتصاد الألماني حرص ألمانيا على تكوين كفاءات متخصصة ، إذ يتخرج كل سنة نحو مائة ألف مهندس في تخصصات تقنية دقيقة وفي العلوم الطبيعية من جامعات ومعاهد يزيد عددها عن 200 مؤسسة في مجموع البلاد ، ويلتحقون بسوق الشغل. ومكنت قوة التكوين ، وفق نفس المحللين ، القطاع الصناعي في ألمانيا من أن يحتل نسبة 26 في المائة من مجموع الإنتاج الاقتصادي وتظل جودته عالية رغم المنافسة الدولية الشرسة ، خاصة من دول آسيا. وقد أثارت الوحدة في سنواتها الأولى مخاوف قوى التحالف التي هزمت ألمانيا النازية عسكريا في الحرب العالمية الثانية ، وكان أول من عبر عن ذلك رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت تاتشر التي حذرت من مغبة عودة سيطرة ألمانيا على أوروبا . لكن جيش ألمانيا الذي بقيت مهامه محصورة في الداخل ، مكنته المحكمة الدستورية من الانخراط في مهام بالخارج لكن ضمن منظمات دولية وإقليمية متعددة كحلف شمال الأطلسي (الناتو) رغم قلة عدده بالمقارنة مع جيوش دول كفرنسا وبريطانيا. واعتبارا للموقع القوي الذي أصبحت تحظى به ألمانيا على مستوى حل النزاعات الدولية ، بعد وحدتها ، جددت المستشارة أنغيلا ميركل في قمة الأممالمتحدة الأخيرة ، مطالبة بلادها بتوسيع نطاق مجلس الأمن الدولي وإصلاح بنيته حتى تنعكس موازين القوى على مستوى العالم ، بشكل أفضل مما هي عليه حاليا. للإشارة فقد تم اختيار مدينة فرانكفورت (غرب ) لتكون مقر الاحتفال الرئيسي الرسمي بهذه الذكرى بحضور شخصيات بارزة ألمانية ودولية ، فيما ستقام الاحتفالات في كافة الولايات الألمانية عبر 300 نشاط يستمر على مدى يومي.