ثمة أزمة اليوم بين الحكومة وبين الأساتذة المتدربين على خلفية المرسوم الذي يفصل بين التكوين والوظيفة والمرسوم المخفض للمنحة بالنسبة للأساتذة المتدربين، لكن مع أن جوهر هذه الأزمة قانوني صرف، إلا أن الطرفين معا فضلا التعاطي السياسي مع الملف بدل التعاطي القانوني. فالحكومة في شخص رئيسها، لم تتعامل مع هذا الملف بالطريقة نفسها التي تعامل بها مع ملف المعطلين حين أعطى للقضاء، والقضاء وحده، سلطة البث في الملف وترتيب ما ينبغي ترتيبه من قرارات بهذا الخصوص بناء على ما انتهى إليه حكم القضاء، والأساتذة المتدربون، مع أنهم يحاججون كثيرا في الأبعاد القانونية للملف، إلا أنهم لحد الآن لم يجربوا خيار اللجوء للقضاء بحجة أن ذلك يدفعهم إلى استئناف الدراسة، وأن ذلك ما تريد الحكومة بلوغه من أهداف في تعاطيها مع هذا الملف. لكن السؤال المطروح هو لماذا اختار الطرفان معا التعامل السياسي مع الملف بدل التعاطي القانوني؟ بالنسبة للأساتذة المتدربين فالأمر يبدو واضحا، فهناك تخوف من أن يحسم القضاء في الموضوع لغير صالحهم، ومن ثمة، يختل ميزان القوى لغير صالحهم، ويفقدون قوة الشارع التي يعتمدون عليها في هذه الظرفية الحساسة لتحسين شروط تفاوضهم مع الحكومة. أما بالنسبة للحكومة، فالأمر يكتنفه بعض الغموض، إذ غاية ما تدفع به الحكومة في هذا المجال هو الخوف على مصير هؤلاء الأستاذة المتدربين من أن يفقدوا وظائفهم من جهة، والخوف أيضا من أن يستثمر هذا الملف وتدخل أطراف سياسية تريد أن تشوش على الاستقرار والأمن، أي أن الحكومة وهي تختار التعاطي السياسي مع الملف، تدخل التفاوض بيد مقطوعة من كتف، ولذلك، كان مصير مقترحها بالتوظيف على مرحلتين هو الرفض، مع أنه ينهي المشكلة من أصلها بالنسبة لهذا الفوج من الأساتذة، هذا مع العلم أن الموقف القانوني لهذا الفوج من ألأساتذة المتدربين اضعف بكثير من موقف الحكومة. ثمة شيء غير مفهوم في تعاطي الحكومة مع هذا الملف، وما يزيد في تعزيز فرضية الغموض هاته أن رئيس الحكومة فوض لوزارة الداخلية في شخص والي جهة الرباط أن تفاوض الأساتذة المتدربين في هذا الشأن، بشرط عدم تجاوز المرسومين، والذي يثير الغموض أكثر أن وزارة التربية الوطنية المعنية بدرجة أولى بتدبير هذا الملف تحت رئاسة رئيس الحكومة، نأت كليا عن الموضوع مع أنها السبب الرئيس في افتعاله وإثارته. التقدير الذي نذهب إليه لفك شفرة هذا الغموض، أن الحكومة أدركت أنها أخطأت التقدير، ليس في تبني المرسومين، ولكن في توقيته، وأن الضغط الذي شكلته وزارة التربية الوطنية عليها بسبب خطأ السنة الماضية المتعلق بالتوظيف الذي لا يناسب المناصب المالية وما تلاه من كلفة الوظائف التي برمجت للسنة الموالية من الفوج السابق، هو الذي جعل الحكومة تميل بهذه السرعة لحل هذا المشكل دون أن تنضج لها بالشكل الكافي فكرة فصل التكوين عن التوظيف، بدليل أنها سارعت إلى تطبيقها في سلك التعليم دون أن تعممها على قطاعات أخرى مثيلة. فخلافا للطريقة التي تعاطى بها رئيس الحكحومة مع ملف المعطلين، وذلك حين مهد لرؤيته (الوظيف بالاستحقاق) بتأسيس دستوري وقانوني غطى بشكل مكثف مجمل التعبيرات الإعلامية، وكان محط تداول واسع في المؤسسة التشريعية، جاءت رؤية فصل التكوين على الوظيف فاقدة لهذا التمهيد الضروري، بل تسربت هذه الرؤية صيفا، وفي فترة تدعو للالتباس، مع أنها تمتلك كل مقومات الصمود والنفاذ لو قدر لها أن تأخذ فترة من التداول العمومي، وأن تعطى فرصة من الوقت لكي تكون موضع تنفيذ من غير إثارة أي غبار، كأن يتم إقرار هذا المرسوم في منتصف السنة ويشمل كافة القطاعات، ويتم تحييد هذا الفوج تماما من التطبيق، على اساس أن يتم تنفيذه وبشكل قطعي في السنة المقبلة. هذا هو التفسير الذي نميل إليه، بل إن المخرجات التي انتهت إليها الحكومة في مقترحها ترجحه، فتوظيف هذا الفوج على مرحلتين لا يعني في نهاية المطلف سوى إخراج هذا الفوج من حيز تطبيق المرسومين خاصة مرسوم فصل التكوين عن التوظيف. لحد الآن، وبعد رفض الأساتذة المتدربين لمقترح الحكومة، ضاقت خيارات التفاوض، ولم يعد إلا أحد خيارين: تفكيك تماسك الأساتذة المتدربين، وهو خيار بدأت تبدو بعض ثماره بحكم أن عدد كبير من هؤلاء يريد ألا يفقد وظيفته ويبدي قدرا من الاستعداد لانتظار سنة لعدم تضييع هذه الفرصة، وخيار كسر العظم، وذلك بإلغاء السنة كلية واستصدار مرسوم آخر لتعويض هذا الفوج بالمكونين الذي تخرجوا من برنامج التكوين الذي أعلنته الحكومة في السنة الماضية. الواقع، أن للخيارين المتبقيين كلفة كبيرة، ليس أقلها تسخين جبهة الشارع وإضفاء مظلومية أكثر على هذا الملف، وإفقاد الحكومة خيارات التفاوض مرة ثانية لإنهاء التصعيد المفترض، فلم يبق من خيار فعال سوى مزيد من البيداغوجيا المدنية من أجل احتواء هذا الملف وإقناع الأساتذة المتدربين من أجل قبول المقترح النوعي الذي قدمته الحكومة، مع العمل على إخضاع رؤية فصل التكوين عن التوظيف للتداول العمومي، والعمل على تعميميها في كل القطاعات حتى تصبح روحا سارية في كل القطاعات.