أخيرا قرر مجلس الأمن التجديد لبعثة المينورسو في أقاليمنا الصحراوية، لسنة كاملة، كما دأب على ذلك فيما مضى من السنوات، بعدما راهن خصوم الوحدة الترابية على إعطاء المغرب مهلة 60 يوما لإعادة بعثة المينورسو بكامل عناصرها، بما فيها السياسي والمدني، ولأداء كل أدوارها، بما فيها المستحيلة واقعيا والمتجاوزة قانونيا ودوليا كالتهييئ للإستفتاء ! قرار مجلس الأمن الصادر اليوم الجمعة 29/04/2016 لم يأتي إذن بأي جديد قد يشكل خطورة بالنسبة للمغرب، بل على العكس من ذلك، أمهل الأمين العام للأمم المتحدة 90 يوما لإيجاد توافق مع المغرب لأجل عودة بعثة المينورسو كما كانت، دون أي طابع إلزامي لهذه التوصية كما أراد لها خصوم المغرب أن تكون. كل هذا جاء ليؤكد تقدم المغرب بخطى ثابتة في أفق تسييج قضية الصحراء في الإطار الذي رسمه لها منذ أن تقدم بمقترحه للحكم الذاتي في 11 أبريل 2007 كما أشاد بذلك المجلس في قراره، والذي يعتبر بالتأكيد أحد العناصر التي تجعله يصف الجهود التي يبذلها المغرب للمضي قدما في مسلسل تسوية نزاع الصحراء، ب"الجدية وذات المصداقية". كيف يجب التعامل إذن مع توصية مجلس الأمن بعودة بعثة المينورسو إلى ما كانت عليه ؟ الجواب هو أنه يجب على العالم أن يفهم أن هذه البعثة في شقها السياسي لا دور لها في الواقع، ولن تفيد في التقدم قيد أنملة بهذا النزاع إلى الأمام. لقد تخلى مجلس الأمن على خيار استفتاء تقرير المصير مند 2004، لأن لا أحد اتفق على الكتلة الناخبة التي ستشارك في هذا الاستفتاء، ولأنه ببساطة من تحكم في الكتلة الناخبة تحكم في نتيجة التصويت ! في كل المناطق التي أجري فيها استفتاء في العالم، لم يكن هناك أي نزاع حول الكتلة الناخبة ! فما الحل إذن في حالة نزاع الصحراء ؟ هل الحل هو أن يتحول أفراد المينورسو إلى خبراء في الأعراق الصحراوية وفي تحديد شجرة النسل لإخواننا الصحراويين ؟ الحل واضح، والكتلة الناخبة واضحة، إنها كل الصحراويين الذين يعيشون اليوم بأقاليمنا الصحراوية، راضين براية وطنهم، ومتعلقون بمغربيتهم، ومشاركون في مختلف الانتخابات والاستفتاءات التي تعرفها البلاد بكثافة تفوق مناطق وجهات أخرى عديدة بالمغرب. إن الذين قاموا بتظاهرة مبهرة بقلب العيون ضد ا انحياز الأمين العام بان كيمون هم الكتلة البشرية الصحراوية الحقيقية، تلك التي اختارت أن تكون مغربية، وتعيش اليوم عمليا في إطار مؤسساتي يعطي لجهات الصحراء صلاحيات واسعة في تسيير شؤونها وتدبير ثرواتها. أما الكتلة الناخبة الأخرى فهم محتجزون مختطفون، لا يتجاوز عددهم 40 ألف شخصا على الأكثر. والأدهى هو أن الجزائر ترفض إحصائهم، ومنحهم بطاقة اللاجئ، واحترام حقهم في التنقل، لأن هذا سيعني عمليا نهاية احتجازهم. فهم بالتأكيد سيفرون إلى وطنهم ويعودون إلى ذويهم، وستنتهي بذلك كذبة الانفصال وفرية الدولة الوهمية. هل يجب إذن الموافقة على عودة المينورسو إلى سابق عهده ؟ سؤال يجب الإجابة عنه بدقة في ظل موازين القوى الدولية المتحكمة في هذا الملف، وتداعيات مختلف القرارات التي يجب اتخاذها. لكن الأكيد أن المغرب حقق مكتسبات حقيقية على الواجهة السياسية لهذا النزاع بفضل القرارات الجريئة التي اتخذها ضد مواقف بان كيمون المنحازة، خاصة بإخلائه للشق السياسي لهذه البعثة، كخطوة حاسمة تقربنا من الحل الحقيقي الممكن لهذا النزاع، وهو الحكم الذاتي في إطار سيادة الوطن. لقد كان مقدرا في مخططات الخصوم أن يجد المغرب نفسه في وضع لا يحسد عليه بعد الهجوم المعادي للأمين العام الأممي، لكن المغرب استطاع بحنكة أن يلتف على هذا الهجوم، ويجعل من عناصره عوامل قوة في مواقفه، مكنته في الواقع من قلب موازين النزاع : فطرده للشق السياسي لبعثة المسنورسو يعني عمليا نهاية أطروحة الاستفتاء، وانتفاء مطالب مراقبة حقوق الإنسان، والاقتراب أكثر من الحكم الذاتي. الرهان إذن واضح خلال ال90 يوما القادمة في عمر هذا النزاع. إن المغرب بعد أن تخلص من عبئ هذا الشق المدني الثقيل، يجب أن يعمل بكل ما أوتي من إمكانات، بالتنسيق مع حلفائه الحقيقيين في هذا الملف، فرنسا وإسبانيا، وباقي الدول الصديقة، من أجل رفض عودة المينورسو إلى ما كانت عليه، والتصدي لأي تراجع على هذا المكتسب، لأن ذلك يعني ببساطة انتكاسة جديدة في مسلسل إيجاد حل جاد وواقعي لهذا النزاع، وفتحا للباب أمام صراعات لا تنتهي في ردهات الأممالمتحدة، وأروقة المؤسسات الحقوقية الدولية، ودوائر القرار السياسي في أمريكا وأوروبا. الصمود الصمود إذن، هذا هو شعار المغرب خلال هذه الجولة الجديدة من 90 يوما، إذ نحن على شفى تحقيق مكسب تاريخي لا يعوض، وهو الخروج بهذا النزاع من متاهات أوهام خصوم الوحدة الترابية، ووضعه على السكة الوحيدة الكفيلة بإخراجه من نفق الجمود الذي يعرفه مند 40 سنة، والتي ستقود الجميع إلى التوافق على مقترح الحكم الذاتي المغربي، كحل يعبر عن اختيارات ساكنة أقاليمنا الصحراوية في العيش تحت راية وطنها المغرب. *أستاذ جامعي، دكتوراه في علوم التدبير والتسويق