أصدر المجلس الدستوري يوم الخميس 28 أبريل 2016 قرارا يقضي بإلغاء انتخاب السيد ياسين غنموني عضوا بمجلس المستشارين في الاقتراع الذي أجري بتاريخ 2 أكتوبر 2015 لانتخاب أعضاء هذا المجلس في نطاق الهيئة الناخبة لممثلي المنظمات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية بجهات سوس- ماسة وكلميم- واد نون والعيون- الساقية الحمراء والداخلة- وادي الذهب، وأمر المجلس بإجراء انتخاب جزئي برسم الهيئة المذكورة لشغل المقعد الشاغر. ويأتي على رأس الأسباب التي اعتمدها المجلس الدستوري لإصداره هذا الحكم أن المطعون في انتخابه اختار (( اسم السوسية)) للائحة الانتخابية التي ترشح باسمها في الدائرة الانتخابية. فلقد رأى السادة قضاة المجلس الدستوري أن المطعون في انتخابه، باعتماده (( السوسية)) تسمية للائحته الانتخابية، بما يتضمنه ذلك من إيحاءات ودلالات تمييزية، يكون قد خالف بالفعل أحكام الدستور الذي نص في تصديره على تشبث المملكة المغربية (( بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية..))، وعلى حظر كل أشكال التمييز، بسبب الثقافة، أو الانتماء الاجتماعي، أو الجهوي، أو اللغوي، كما خالف أيضا أحكام الفصل الأول من الدستور فيما تضمنه من أن الوحدة الوطنية متعددة الروافد تعد من الثوابت الجامعة التي تستند عليها الأمة في حياتها العامة. وذكّر السادة القضاة بأن الدستور المغربي يمنع تأسيس الأحزاب على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي. غني عن التذكير أن المجلس الدستوري يضم في صفوفه خيرة القضاة المغاربة المشهود لهم بالنزاهة والموضوعية والكفاءة والتجرد في إصدار الأحكام، وأنهم يحتكمون في جميع ما ينتج عنهم من أحكام إلى ضمائرهم، ووطنيتهم، وحرصهم على أن يكون القانون فوق الجميع، وأن تكون مصلحة الوطن فوق أي اعتبار آخر، إننا أمام مؤسسة وطنية من أرفع المؤسسات، ولذلك فإن الأحكام التي تصدر عن أعضائها، تعتبر أحكاما نهائية وباتة، ولا مجال لأي كان للطعن فيها. ويبدو أنه انطلاقا من حرصهم على الوحدة الوطنية، ووقوفهم بصرامة في وجه كل من يريد خدشها أو التلاعب بها، ذهب السادة القضاة إلى إصدار هذا الحكم القطعي، وتعميمه وسط الرأي العام الوطني، والأكثر من ذلك فإنهم في منطوق حكمهم هذا، ذهب قضاة المجلس المذكور إلى حد أنهم أطلقوا وصفا شائنا على ما قام به المطعون في انتخابه حيث اعتبروا الأمر: (( مناورة تدليسية ترمي إلى استمالة الناخبين للتصويت لفائدته)). النائب المطعون في انتخابه، طبقا لما ورد في قرار المجلس الدستوري، كان يتحايل على المواطنين، ويوهمهم أنه الأقرب إليهم من كل المرشحين الآخرين غير السواسة، وهذا تصرف رجعي تقليدي، وهو أقرب إلى السلوك العشائري القبلي المتنافي مع قيم الحداثة والانتخابات التي يتعين أن تكون البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية هي الوسائل التي يعتمدها المرشحون لاستمالة الناخب لهم، وليس الاحتماء بالانتماء إلى القبيلة، أو العشيرة، أو العرق. تبيّن الإشارة الواردة أعلاه في حكم المجلس الدستوري، أنه كان صارما في الحكم الذي أصدره، وفي التوصيف الذي اعتمده في إسقاط العضوية عن المستشار الذي أطلق على لائحته اسم (( السوسية)). وفقا لحكم المجلس الدستوري، فإن النائب في قبة البرلمان ينبغي عليه أن يكون ممثلا ومشرِّعا لجميع أبناء الأمة، وأن يكون مهموما بمشاكل الوطن برمته، وألا يتصرف بعقلية عرقية أو جهوية محضة، وألا ينحاز إلى أي مكون من مكونات الهوية الوطنية. إذا كان النائب البرلماني منحازا لجهة، أو لعرق، أو لمكون هوياتي بعينه، فإن صفة الوطنية تسقط عنه، وإذا صار نواب الأمة على شاكلته، فإن برلمانا يضمهم سيتحول إلى حلبة للصراع العبثي بين النواب، بحيث كل واحد منهم يترافع مدافعا خصيصا عن أبناء عرقه، وجهته، وستضيع مصلحة الوطن في حلبة هذا الصراع العرقي أو الجهوي العبثي. أن يدافع نائب برلماني عن حاجيات جهة انتخبته، فهذا شيء لا اعتراض عليه، ولكن أن يعتبر لائحته (( سوسية)) وهو أيضا (( سوسي))، تبعا لذلك، فهذا يعني أنه ليس نائبا يشرع للأمة، ويراقب عمل الحكومة، فعرقيته في هذه الحالة تطغى على وطنيته، كما أنه سيوهم الناس في الحملة الانتخابية بأنه الأقرب إليهم من غيره من المرشحين الذين ليسوا سواسة، وهذا تمييز عرقي لفائدة من يعتمده ضدا في منافسيه الانتخابيين. ينبغي أن لا يخامرنا أدنى شك بأن المجلس الدستوري لم يستهدف في حكمه هذا اللائحة السوسية لأنها سوسية، لنكن متأكدين لو أن لائحة أخرى ترشحت للانتخابات بصفتها فاسية، أو جبلية، أو ريفية، أو غرباوية، أو دكالية.. ونجح أصحابها في الانتخابات، لما تردد المجلس الموقر في إسقاط العضوية عن ذويها بعد الطعن في نجاحهم. المجلس الدستوري يحرص على احترام الدستور الذي بدوره يرفض العرقية، ويُجسِّد الحالة الوطنية، ويريد ضمان استمرارها موحدة، ومتماسكة، ومتجانسة. ولعل هذا الحكم يشكل جوابا واضحا على السجال الحاصل في المغرب حول معنى الهوية كما وردت في دستور 2011، فبعض النشطاء الأمازيغ، رغم وضوح الهوية المغربية في هذا الدستور، فإنهم لا يزالون غير راضين عنها، ولا يزالون يصرون على أن هوية المغرب أمازيغية صرفة رغم أنف الدستور. حُكْمُ المجلس الدستوري هذا يعني أن بإمكان من أراد أن يرفض الدستور ولا يقبل بنوده أو بعضها، ويجادل في مدى صوابها، بإمكانه القيام بذلك، ولكنه، انسجاما مع هذا الحكم النهائي، ملزم عمليا، أراد ذلك أم لم يرده، بالانصياع لبنود الدستور بكل تفاصيلها، فكما لا يرحم القانون ولا يعذر المغفلين، فإنه أيضا وُضع لقمع المتنطعين وإجبارهم على الامتثال لمتطلباته صاغرين. فهذا هو المعمول به في جميع دول العالم، وهكذا يعيش الناس والمجتمع في أي بقعة من الأرض تسود فيها دولة القانون، وليس دولة المزاج.