بذوق موريسكي رفيع، وكلمات راقية، أتحفت مجموعة "إلغُوسطو" الجزائرية جمهور مسرح محمد الخامس خلال الموعد ما قبل الأخير من الدورة الخامسة عشر من مهرجان "موازين إيقاعات العالم". بهدوء اعتلي أعضاء الفرقة العشرون منصة المسرح الوطني، هدوء لحظات قطعته المجموعة بمعزوفة "أهلا وسلا بيكم فرحتو قلبي"، والتي كانت بمثابة كلمة ترحيبية بالجمهور العريض الذي توافد على المسرح، ليفسح المجال بعدها للمغني الشعبي عبد القادر شرشام الذي أدى بإتقان وإبداع كبيرين أغنية "الحراز"، والتي أهدتها "إلغُوسطو" للمغرب، وهي مستوحاة من التراث الشعبي الجزائري. حان دور اليمين حيمون، الذي يعتبر من بين أكبر أعضاء المجموعة سنا، والذي أمتع في أداء أغنية شعبية جزائرية أخرى، تفاعل معها الجمهور بشكل كبير، خاصة وأنه رغم تقدمه في السن، إلا أنه حافظ على "رشاقة عزفه على العود"، شأنه في ذلك شأن باقي أعضاء المجموعة الذين، على اختلاف أعمارهم، تمكنوا من المزج بين خليط من الآلات الوترية والإيقاعية. واصلت الأوركسترا العزف وأداء مقاطع تتغنى بالحياة والصبر الذي شكل عنصرا أساسيا في استمرارية المجموعة رغم مرورها بأحلك الظروف، ما بعد استقلال الجزائر، وهو ما دفع أحد أعضائها إلى توجيه خطابه إلى الحضور بالقول: "أريد أن أسرد لكم قصة إلغُوسطو.. لكن القصة التي لا تعرفونها.. قصة الصبر والتجديد"، على حد تعبيره، لتتلوها أغنية ترصد روعة الحب والعشق والذكريات بين الحبيبين. قصة "إلغُوسطو" تحمل الكثير من المعاناة والدراما بين مسار الشباب والشيخوخة؛ حيث التأم أعضاء المجموعة قبل خمسين سنة في حي هامشي بالعاصمة الجزائر، يتعلق الأمر بحي القصبة الشعبي، وهو ما انعكس على الصنف الغنائي الذي تؤديه المجموعة. الموسيقى الشعبية الجزائرية ارتبطت بشكل كبير بمعاناة ساكنة الجارة الشرقية، خاصة خلال سنوات الاستعمار الطويلة؛ إذ أثر السياق الزمني الصعب على المجموعة التي يعد الأسطورة الحاج أحمد بن عنقة مرجعها الأول، وتجاوز أعضاؤها اختلافاتهم الدينية، واختاروا التعايش فيما بينهم كيهود ومسلمين في أكثر الأحياء شعبية بالعاصمة. "شباب الأمس وشيوخ اليوم" جمع بينهم الحاج بن عنقة في أول المدارس المتخصصة في الموسيقى بالعاصمة أيام الاستعمار الفرنسي، الذي لم يرحل عنها إلا في يونيو 1962، وبالرغم من أن الجزائريين يحتفون بهذا التاريخ، إلا أنه لم يكن فأل خير على "إلغُوسطو" التي تفرق أعضاؤها بعد الاستقلال بين كل من الجزائر وفرنسا، قبل أن يتمكنوا من لم شملهم من جديد بعد أن "اشتعلت رؤوسهم شيبا".