قبل كل "انتخابات" تثار سجالات حادة بين دعاة المشاركة في العملية ودعاة مقاطعتها.. والكلام في دواعي الاتجاهين يطول ويتفرع ويشكل، وقد مرت تفصيلات في الموضوع في مناسبات سابقة، غير أن مواجهات فضاءات التواصل الاجتماعي تطفي على السطح جزئيات لم تتم إثارتها بعد.. إن دواعي المقاطعة تدور في مجملها حول خسة كثير من الفسدة المشاركين في "اللعبة"(أفراد ومؤسسات)، لكنها ترتكز أساسا على سعي النظام لاحتواء الفاعلين وابتلاعهم قصد تحييد كل ما أو مَن يشكل له قلاقل، فيصون بالتالي شرعيته التي تتآكل.. لذا، فأسباب المقاطعة تتعلق بكل أطراف العملية: المترشحون والنظام،، بل وحتى المصوتون الذين يتصف الكثير منهم بعدم الأهلية.. ولكسر الطوق وحلحلة المواقف، يلجأ بعض دعاة المشاركة إلى تبرير "المشاركة الجزئية" أو "الانتقائية"، حيث يرون أنه لا يمكن تصور المقاطعة في الانتخابات المحلية والجهوية لأنها تفرز "مدبرين مباشرين" محليين أو جهويين تمكن محاسبتهم، على أنه يمكن -بالمقابل- أن تكون المقاطعة مقبولة ومعبرة وفعالة في الانتخابات التشريعية حيث تتقاطع دواعي المقاطعة مع حالة البرلمان.. ولهؤلاء يقول المقاطعون: لقد كانت الدعوة لمقاطعة الانتخابات المحلية والجهوية وقد شاركتم بداعي الإصلاح وقطع الطريق على الفاسدين المفسدين، وأن المنتخبين مدبرون مباشرون مسؤولون مسؤولية مباشرة عما يفعلون،، وكان النجاح لهم والابتهاج لكم، أمَا وأنه تحقق لكم حسنيَي المشاركة والفوز، فإنه لا عذر لكم بتماسيح ولا بعفاريت، وأنكم تحاسَبون على اختياركم بدء من التحالف وصولا إلى التدبير والنتائج والسقطات، وإنه تكليف وندامة، وإن غدكم قد أصبح يومنا بعدما كان -أيام المناكفة- لناظره قريب، وقد وضعت الجهات التي فزتم بها تحت المجهر بمقتضى مبادئ الخطأ، ومعايير العدل والتنمية المطلقة، أي مقارنة الواقع بما يجب أن يكون وفق الموارد والقوانين(حتى لا تلجؤوا إلى المقارنة مع بوركينا فاسو أو شنكيط، ونلجأ إلى المقارنة مع هولندا أو السويد).. وبالفعل، قد أصبح من الثوابت القارة أنه بعد كل "انتخابات" وما يتمخض عنها من نتائج وتحالفات و"توافقات" وصفقات وتجاوز للعتبات المحددة سلفا... بعد كل لعبة أمكن للمقاطعين أن يقولوا للمشاركين: "ألم نقل لكم؟"، ولا يستطيع المشاركون إطلاقا أن يخاطبوا المقاطعين بنفس العبارة،، بل لا يمكنهم حتى تبرير الموقف من منطلق الدفاع، فما بالك الهجوم!!!.. إن نجاعة أو واقعية أو فاعلية المقاطعة يوجب التمحيص إما بالتدليل الفكري النظري والواقعي، وهما في غير صالح المشاركين بنتيجة لا تقبل المقارنة، أو باللجوء إلى استقصاء رأي الجمهور، وتعديد المقاطعين كاف.. أما لجوء بعض المنهزمين المشككين للتدليل بالجهل على العزوف السياسي عموما ومقاطعة الانتخابات على وجه الخصوص، لا أظن التدليل يكتسي ولو الحد الأدنى من الدقة، ذلك أن سبب العزوف، بل النفور، هو انعدام الثقة المطلق في السياسة والسياسيين، ولا أدل على ذلك -باعتماد على نفس المنحى الإحصائي- من مقاربة نسبة الانتماء السياسي للصفر، مقابل صعود نسبة التعلم لأكثر من 50%، في منحى معاكس!!.. ضف إلى ذلك أن نسبة الانتماء تلك، على هزالتها، تكاد تُحصر في منتسبي الحركة الإسلامية وزمرة من اليساريين، ما دام رعيل الوطنيين/الاستقلاليين قد شارف على الانقراض.. مع التنصيص أن المقصود بالانتماء أو الاهتمام، القناعة والنضال، وليس المصلحية، فهذه الأخيرة لن تنمحي ما دام للارتزاق واللؤم وجود..