لا يتعلق الأمر بذلك الفصل المثير للجدل في الدستور القديم للمملكة، والذي اختفى في الدستور الجديد، وتم توزيع ممتلكاته على فصول أخرى في دستور 2011، ولكن الأمر يتعلق بالفصل 19 من الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب التي تلزم الدول الموقعة عليها بتقديم تقارير دورية عن مدى التزام الحكومات بما جاء في الاتفاقية الدولية لمنع التعذيب وضروب المعاملة أو العقوبات القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لكرامة الإنسان. أمس كان يوما طويلا ومحرجا للوفد المغربي الذي سافر إلى جنيف لتقديم التقرير الوطني حول مدى احترام المغرب للاتفاقية، وكان على رأس الوفد المحجوب الهيبة، المندوب الوزاري لحقوق الإنسان، وكان بصحبته ممثلون عن وزارة العدل والأمن الوطني والمندوبية العامة لإدارة السجون والخارجية... كعادة التقارير الرسمية، هناك دوما طغيان للون الوردي، وإن كان المسؤول عن التقرير واقعيا بعض الشيء فإنه ينثر بعض الألوان الأخرى هنا وهناك من أجل أن يدافع عن سلوك الحكومات التي غالبا ما يصعب الدفاع عن سلوكاتها، في المغرب وعموم بلاد العالم الثالث والرابع وما دون ذلك... طبعا وكالة الأنباء الرسمية سكتت، كعادتها منذ عقود، عن الحديث عما دار في غرفة الاستماع إلى التقرير الرسمي، واكتفت بالحديث عن التقدم الذي وقع في المغرب، وعمل هيئة الإنصاف والمصالحة والدستور الجديد، وبقية اللحن المعروف، أما الأسئلة الحرجة التي وجهها أعضاء لجنة السهر على تطبيق الاتفاقية إلى المحجوب ورفاقه فلم تذكرها قصاصة الوكالة الرسمية، وهنا نعرض بعضها: - من تكلف بالتحقيق مع عضو تنظيم القاعدة، رمزي بن الشيبة، في المغرب بعد ترحيله من باكستان في طريقه إلى معتقل غوانتنامو، هل هي جهات قضائية أو استخباراتية؟ وعلى أي أساس قانوني تم هذا التحقيق فوق الأراضي المغربية؟ - من حقق مع الإثيوبي بنيام؟ هل يتعلق الأمر بتحقيق قضائي أو بتعاون استخباراتي خارج المراقبة القضائية؟ - قام وفد برلماني مغربي بزيارة لمعتقل تمارة السري. السؤال: هل قام هذا الوفد بتحقيق كما هو متعارف عليه دوليا ليتأكد من أن هذا المكان إدارة للأمن وليس معتقلا سريا؟ وهل أعضاء هذا الوفد مدربون على تقنيات التحقيق حتى تكون لزيارتهم فائدة ومصداقية؟ - هل خضعت عناصر الأجهزة الأمنية وإدارة السجون لتداريب ودورات تكوينية في التربية على حقوق الإنسان بشراكة مع جمعيات المجتمع المدني، كما تلزم الاتفاقية أعضاءها بذلك؟ - قلتم إن رجال الشرطة وموظفي السجون الذين تورطوا في أعمال تعذيب معتقلين ومسجونين نالوا عقوباتهم، لكن الأخبار تقول إن بعضهم سجن لشهر أو لأربعين يوما، ثم لا نعرف ما مصيرهم بعد ذلك. السؤال: هل هذه عقوبات كافية؟ وهل رجع هؤلاء المعاقبون إلى أماكنهم أم لا؟ - المغرب متهم بترحيل مواطن روسي إلى موسكو (أليكس تشينكو)، وآخر اسمه جمال التبيتي إلى الجزائر، وذلك يخالف بنود الاتفاقية التي تمنع تسليم المعارضين السياسيين لبلدانهم الأصلية إذا كانوا مهددين بالتعرض للتعذيب. هذه عينة من الأسئلة الكثيرة التي وجهت إلى الوفد المغربي في جنيف، وهي تعكس نظرة الأممالمتحدة إلى موضوع احترام حقوق الإنسان ومنع التعذيب، والمعايير الدولية التي تحدد السلوك الحسن للدول، وهذه المعايير لا يمكن الالتفاف عليها إذا اخترنا الجلوس على المقاعد الأولى للتلاميذ الذين يطمحون إلى الوصول إلى المراتب المتقدمة في فصل دولة الإنسان.