- تقديم: في كل دخول مدرسي جديد تكثر التحركات وتتساقط المذكرات الوزارية على رجال التعليم، وتتعدد الاجتماعات و اللجان. وتتحرك وسائل الإعلام الرسمية لنقل صور توحي للمتتبع أن كل شيء على أحسن ما يرام . كما تميزت بتمرير النظام الأساسي (1985) و فتح المجال للخطاب الأصولي بالمؤسسات التعليمية و الجامعية عن طريق أطر من حزب الاستقلال (تكليف أساتذة و معلمين من الجامعة الحرة للتعليم بمهام التأطير و التفتيش). و لقد عهد إلى حزب الاستقلال على يد الوزير عز الدين العراقي بتوسيع دائرة نفوذ نقابته لمواجهة النقابة الوطنية للتعليم و كذلك للترويج للسياسة التعليمية المتبعة. و إذا كانت فترة عز الدين العراقي أطول فترة في وزارة التعليم بعد فترة بنهيمة فلأنها كانت ترتكز بالأساس على إخراج التعليم من دائرته التربوية و الاجتماعية و الثقافية و الإبداعية و فصله عن حاجيات المجتمع و تطلعاته و ذلك بتحويل دور المعلم و الأستاذ من المهمته التربوية الهادفة إلى إعداد المتعلم إعدادا يعتمد فيه على ذاته، إلى مهمة مقدم للمقرر، يكون المتعلم في وضعية متلق لا غير ، من خلال برامج تعتمد على التدريس بالأهداف،و بشكل تعسفي. و تميزت فترة عز الدين العراقي أيضا بعملية تفيء رجال التعليم إلى درجات .مما سيؤدي إلى تفكيك وحدة رجال التعليم و تفتيت قوتهم الاقتراحية و الاحتجاجية حتى لا يظلوا يشكلون النخبة الواعدة في إعمال فعل الوعي بالتغيير وسط الجماهير. و على مستوى التمدرس فإن نسبته ظلت تعرف تراجعا حتى وصلت نسبة الأطفال الغير الممدرسين إلى %67 و وصلت إلى% 92 بالنسبة للفتيات في الوسط القروي (تقرير البنك الدولي سنة 1990) أما مرحلة ما بعد عز الدين العراقي فكانت مرحلة وزراء تقنقراط (الهلالي بلمختار...) كانت مهمتهم تنحصر في إعادة هيكلة الوزارة للتحكم أكثر في المسارات التعليمية و في الأطر التربوية و البحث عن التمويلات الخارجية للرفع من مستوى التمدرس من حيث الكم للخروج من الدرجة التي رتب فيها المغرب في هذا المجال .لأن نسبة الأمية ارتفعت إلى% 72 و هي الأولى في العالم العربي بعد مصر و% 93 بالنسبة للمرأة (دراسة الجامعة العربية لسنة 1994). لكن الأنماط الهيكلية التي تم اعتمادها (النمط الفرنسي و الأنكلوساكسونى) كانت تهتم بالجانب الإداري التحكمي و لا تهتم بالجانب البيداغوجي و لا التربوي، لأن تلك كانت شروط الجهات المانحة (البنك الدولي). و لمنح السياسة التعليمية المخزنية شرعية تم إسناد القطاع بعد وزراء التقنقراط إلى أحزاب من الكتلة (حزب التقدم و الاشتراكية- الحزب الاشتراكي التقدمي- الاتحاد الاشتراكي ) بالإضافة إلى الأحرار. هؤلاء الوزراء وظفوا المساعدات التي استفاد منها القطاع من الخارج في البنايات الإدارية و التمويه الإعلامي مما حدا بالجهات المساعدة إلى تكوين لجن المراقبة و التتبع مثل البنك الدولي للإنما (PNUD) و(FNUAP) و(UNESCO) و (MEDA) و هي برامج تستهدف تنمية التعليم بالوسط القروي و بالمناطق المحرومة. و رغم ذلك فإن هؤلاء الوزراء لم يهتموا بملاحظات الجهات المانحة التي كلها في إطار التقويم الخارجي الذي تقوم به تؤكد أن المغرب لم يلتزم بالتعهدات التي تم توقيعها في هذا الإطار. 4- النتائج: إن السياسة التعليمية في البلاد حققت أهدافها التي رسمتها خلال القرن الماضي من خلال: 1- ميثاق وطني يكرس اديولوجية الدولة بكل امتياز. 2- الفصل بين قطاع التعليم العمومي والمجتمع ليصبح التعليم في نظر الجميع مضيعة للوقت. 3- عزل رجل التعليم عن المجتمع ليصبح محط نعوتات مسيئة، و هدفا للعنف من طرف الأب وحتى التلميذ. 4- تحويل اهتمامات رجال التعليم إلى قضاياهم الخاصة بفعل مناورات الحكومة على ملفاتهم. 5- جعل التلميذ يفقد الثقة في نفسه ،حتى أصبح يلجأ إلى الغش أو إلى المغادرة. 6- إبراز التعليم الخاص كبديل بدعم من الحكومة مما حدا بهذا القطاع إلى التوسع و إلى الاجتهاد في المتاجرة و إلى اعتماد برامج خارجة في غالبيتها عن مراقبة الدولة. 7- التخلي عن إصلاح المؤسسات و فضاءاتها إلى ميزانية الجماعات المحلية أو جمعيات الآباء أو المحسنين. 8- التخلي التدريجي عن تكوين الأطر التعليمية و اللجوء إلى سياسة التعاقد دون مراعاة المبادئ و المعايير الدولية للتربية و التكوين. 9- التخلي عن التأطير التربوي و محاولة تأهيله ليكون دعامة تحكمية. 5- اليسار/ المسؤولية لقد استطاع النظام من خلال المخطط الذي رسمه للنظام التعليمي في البلاد أن يطوق الفكر التقدمي من خلال المقاربات البيداغوجية التي أطر لها من خلال البرامج و المناهج ،التي تعتمد على النمطية و التلقي مكرسة الجمود الفكري ومنفتحة على الفكر الأصولي و كل الأفكار الرجعية. و لم يكن بإمكان اليسار تكسير هذا الطوق نظرا لما عاشه من تشرذم و من هجوم عليه بدون هوادة من طرف النظام الحاكم. فأحداث 1984، و ما ترتب عنها من محاكمات في صفوف الطلبة و التلاميذ و الأساتذة التقدميين ، فتحت المجال للأصولية في الجامعات و الثانويات بل حتى على مستوى التعليم الابتدائي بدعم من النظام و التستر عن أفعال الظلاميين الإرهابية وسط الطلبة و التلاميذ. لكن هذه الظروف كلها لا تبرئ اليسار بشكل عام من المسؤولية في الوضع الذي أصبح عليه التعليم اليوم لأنه لم يكن يشتغل على هذا القطاع من خلال إستراتيجية محكمة تحافظ على امتداد الفكر التقدمي في وسط المؤسسات و الأطر العاملة به بل أنه أي تيارات اليسار استجابت لاستفزازات المخزن عن طريق الظلاميين لتحويل الصراع إلى وضع أفقي بعدما كان ذلك الصراع عموديا. هذا بالإضافة إلى الانسحاب العملي لليسار بكل اتجاهاته من الأوساط الشعبية (الأحياء الشعبية المهمشة – أحياء محيط المدن – الدواوير...) و هذا ما ساعد النظام على تحقيق أهدافه في قطاع التعليم ليصبح قطاعا لا ينتج الفكر التقدمي و الفكر العلمي بل ينتج الأفكار المستلبة و الغيبية و الخرافية حتى أن أطر هذا القطاع في غالبيتهم أصبحوا من الظلاميين (أساتذة – معلمون...) و النتيجة هي تراجع التلاميذ في الشعب العلمية بنسبة 70% (2004) و ارتفاع نسبتهم في الشعب الأدبية و خصوصا الإسلاميات و هذا ليس راجعا إلى التدريس بالجامعات باللغة الفرنسية فقط ولكن للتوجه الذي أصبح سائدا في الثانويات... إن اليسار في وضعيته الحالية يوجد أمام تحديات كبرى في التعليم خصوصا أن هذا القطاع يرتبط بالشعب كله، لذلك أصبح له خياران: الخيار الأول هو العمل على تأسيس جمعيات على مستوى التعليم الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في إطار إستراتيجية تهدف إلى إعادة الإنتاج الفكري لمواجهة الفكر السائد و بالتالي وضع استراتيجيه لإعادة بنائه وفق التحولات الكمية و الفكرية التي عرفتها و تعرفها الجامعات. و ذلك بوضع البديل التعليمي لكل الأسلاك. أما الخيار الثاني فهو الإبقاء على الوضع الحالي و سيتأتى للفكر الظلامي و المخزني معا القضاء مستقبلا على الفكر التقدمي و بالتالي خنق اليسار نهائيا. 6- خلاصات: - إن السياسة التعليمية في البلاد تعكس بالفعل إرادة الطبقة الحاكمة فهي المستفيد الأول من التخلف و من الأمية و من البطالة و الانحراف لأنها تتاجر في كل شيء حتى في الأرواح. - إن هذه السياسة لا يمكن فصلها عن السياسة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية التي يعتمدها النظام المخزني في البلاد. - إن أي نضال من أجل التغيير لا يمكن أن يستثنى منه التعليم لأنه يشكل حاليا دعامة أساسية للنظام. *مفتش التعليم و باحث تربوي