يودعني الشيخ بحكمته فأبقى رهين الفوضى والعشوائية. أستمر في طريقي غير المنتظمة. أفكر في نفسي قليلا وفي غيري كثيرا. أفكر في مقولة محمد المسكين الذي تغيرت حياته من نور الجهل الى ظلام العلم. هو الذي قال لي ذات مرة '' تفعل الخير ويقابلونه لك بالضد وحين تكثر عليهم من الكلام يتركونك للفراغ '' لم يكذب بتاتا فهذا هو حالي. ربما عاشها المسكين وهو الذي وسط معاناته يقول الحقيقة. مجاز في إحدى شعب الجامعة. دفعته الى أخد إجازة مطولة لا نهاية لها وسط مجتمع مريض لا يعلم أي شيء إلا النقد. لست أعلم أسباب فقدانه للسيطرة على نفسه ولكن طالما كان ذلك منطقيا وسط الضغوط التي تمارس علينا. لا يعقل أن ترى كل أفراد أسرتك مظهريا بخير ولكل واحد منهم وظيفة مقبولة يشكر عليها يوميا أو على الأقل تجعل الأخر لا يجد السبيل لانتقاده. إما أن تفعل مثله أو تهرب أو تفقد السيطرة على جهازك العصبي فتنهار للأبد، وأنا في الطريق تخيلت الجميع عكس ما هو عليه. تخيلتهم دون فراغ وليس لديهم الوقت الكافي للحديث عن الآخر. كل يعيش حياته ويبنيها دون أن يضيع الوقت في مناقشة ما بناه البعض وما هدمه البعض الآخر، ربما أكون مرة أخرى سارحا في حلم لن يتحقق أبدا، أو في عالمي المليء بالمتناقضات. حلم يدوم أكثر من أحلام النوم. ويزيد من المأساة. ليتني أصل الى غرفتي كي أستلقي وأنام فأحلام النوم تنتهي بالاستيقاظ. أما أحلام اليقظة فربما لن تنتهي الإ بالجنون .. أذهب أدراجي من جديد، وقد أحسست بالجوع. هو وقت وجبة العشاء. أدخل الى المنزل وألتف حول الأسرة الصغيرة. لا أجلس معهم الا خلف الوجبات الغذائية، وبالخصوص وجبة العشاء في الليل. كثيرا ما يسود الصمت تلك الجلسات. يحاولون خلق أجواء من المرح لكن ذلك قليلا ما ينجح فالابتسامة لا تجد طريقها الى محياي. لا يسألني أحد عن حالي، لأنني لا أجيب وإن أجبت كانت إجابتي سؤالا. لكل منا عقليته التي تميزه، ولم يزدنا ذلك الاختلاف إلا تنافرا وتباعدا. فالذكور لا تستهويهم الا كرة القدم ولا يرتاحون الا حين نضعها فوق مائدة النقاش.أما الإناث فيردن الابتسامة ويحبذن بعض النكت ويملن الى المواضيع الجادة. لكن لقلتها يصبح التوصل شبه مستحيل. أستمر في جلوسي مع الأسرة حتى أتناول ما تمتصه أمعائي وينعش دورتي الدموية، ويبقيني على قيد الحياة، ولا أعلم هل أنا على قيد الإنسانية. أغادر الى غرفتي . أفر من واقعي أنا لا أعلم كيف تبدو لهم حالتي التي اعتادوا عليها. أستلقي وأضع حاسوبي فوق فخدي، وأبحث عن النسيان من جديد. هذه المرة تراودني شبه فكرة. أخربش في الحاسوب، أصل الى مكتبتي الافتراضية والتي تحتوي على أكثر من أربعة آلاف كتاب، وأنا الذي لم يعرف من قبل من الكتب الا مقررات الدراسة وجزأين من ألف ليلة وليلة ورياض صالحين.أحاول أن أنظم الكتب الافتراضية، وأنا لم أعرف بعد كيف أنظم حياتي الواقعية. أدور بين الملفات الكثيرة. لم أعد أتذكر كيف ومتى جمعتها، بعضها من الانترنيت والبعض الآخر من الأصدقاء أيام الجامعة. يثير انتباهي كتاب عنوانه '' كيف أخطط لمستقبلي ؟ '' لم يسبق لي أن اطلعت عليه بالرغم من أنني ألقيت نظرة على عدد من كتب التنمية البشرية من قبل. هذا الكتاب عبارة عن محاضرات للكاتب عمر بن عبد الله السويلم. أقرأ العنوان فيحفزني أنتظر منه الكثير، أفتح الكتاب بكل تفاؤل فيمهد بصورة وتعليق، يضع الكاتب صورتين إحداهم لغرفة منظمة والأخرى مبعثرة، تدل على كون صاحبها غير منظم بتاتا، أجد نفسي في الصورة الثانية بالرغم من أن الصورة الأولى ليست دليلا علي التنظيم فربما تكونا دليلا على البخل وغياب النشاط بالمطلق. أقول لنفسي أن الكتاب يعنيها، وأجد لها بديلا أو بالأحرى حلا كي تستفيق. سمعت الكثير من الكلام قبل الدخول الى المنزل والآن أحاول أن أقرأ '' كيف تخطط لمستقبلك ؟ '' لعلي أجد فيه الدواء للداء. يقول الكاتب في المقدمة أن بعض الناس أو الكثير منهم لا يعرفون الى أين هم ذاهبون في هذه الحياة بل لا يبالون بالأمر، يرغبون في في تغيير وضعهم وينهمكون في أعمالهم اليومية بحثا عن مخرج، ولكن كيف ومن أين يبدؤون، يرى الكاتب أن الإشكال في كون ما يرغبون في الوصول اليه يبقى رهين دماغهم ولا يحولونه الى واقع عن طريق التدوين والكتابة، يستدل على ذلك بمجموعة من التجارب تم القيام بها على أشخاص، وصلت تلك التجارب الى أن الاشخاص الذين وضعوا أهدافا محددة وفصلوها بالكتابة راكموا بعد عشر سنوات من ذلك ثروة تعادل 96% من الثروة الإجمالية للأشخاص المشاركين في التجارب، مع العلم أنهم لا يمثلون الا 10% من العينة. هذه التجارب تم القيام بها في دولة متقدمة هي الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولن تسنح لنا الفرصة للقيام بها في بلدنا الا بعد مرور آلاف السنوات الضوئية، لأن واقعنا لا يسمح بذلك وجامعاتنا لا زالت فقط في إطار الترجمة الحرفية لما وصلت اليه الدول المتقدمة. أطرح السؤال على نفسي ولا أنتظر الإجابة : هل فعلا يمكن أن تتحقق أهدافنا بتسطيرها وكتابتها ؟ وأستمر في القراءة. يعطي الكاتب فوائد التخطيت وأنا بصدد التخطيط للنوم فجفوني استسلمت للظلام. يقول أن التخطيط يحدد الاتجاه، ينسق المجهودات، يوفر المعايير، ويوضح المعالم، ثم يتساءل وأتساءل معه : لماذا لا يخطط الناس ؟ ربما يكون ذلك راجعا الى انطباعات ومواقف سلبية وخاطئة عن التخطيط، مثل التفاؤل المفرط، عدم القدرة على وضع خطة، عدم معرفة الأولويات وترتيبها حسن الاهمية، ثم يختم بالعوائق الاجتماعية والبيئية والخوف من المجهول. أبتسم وأنا أقرأ السبب الأخير لأنه السبب الأساسي الذي يجعل الأغلبية لا تفكر في التخطيط أن تنشغل في التفكير فيها، عوض التخطيط يصبح الشخص نفسه مركزا للتخطيط ويحتاج الى من يخطط له ويسطر له مستقبله، أكتفي من القراءة وأنا خائف من التشخيص، وأضيف الى الكاتب أنه وفي الوقت الذي يفكر فيه البعض في التخطيط للمستقبل، يخطط البعض لإفشال ذلك المخطط في أول نقطة التقاء. أضيف اليه أيضا أن مشكلة الناس ليست في كونهم لا يخططون ولكن في كونهم يخططون بطريقة سلبية ترتقي بالبعض وتجعل البعض تابع لهم مدى الحياة. أخلد الى النوم بحثا عن أحلام تبعث من داخلي ابتسامة غابت عني في اليقظة .. بقلم : ابراهيم ايت ابراهيم