حدثنا الشيخ ذياب، رحمه الله، قال: كان الشيخ وردان يسمى "شيخ البادية"، وكان معروفا بالحكمة والحنكة، وكان القوم يقصدونه لحل المشكلات وعقد المصالحات. وعندما كبر الشيخ وضعف، نادى ابنه البكر، وقال له: أي بني، إنك قد عرفت مكان أبيك بين القوم، وإني قد أفنيت عمري في بناء هذا المجد، وإنه ليسوءني أن يذهب عملي بذهابي، فاعمل على أن يظل هذا البيت عامرا بالمروءة، وخذ عني اثنتين تنفعانك في الصلح والإصلاح، أما الأولى فإن جاءك خصمان، أحدهما عاقل والثاني أحمق، فأصغِ للأحمق أكثر، واجتهد في أن تقضي له، واجعل الحق على العاقل، فإني رأيت هذا أجدى لإنهاء الخلاف؛ وأما الثانية، وهي الأكثر، فإن جاءك خصمان كلاهما أحمق، فاسمع حجة كلٍّ منهما على حِدة، ثم اقضِ لكليهما واجتهد في إرضائهما جميعا ولو خسرت من مالك، وساوِ بينهما في الحق، إما لهما معا وإما عليهما معا، وإياك أن تجعل الحق على أحدهما دون الآخر، فيفسد الصلح ويزيد الخلاف. خذ مني ما قلته لك، واجمعه إلى ما عرفتَه من قبل يعلُ جدّك ويبقَ مجدك. ثم قام الشيخ وألبس ابنه العباءة وأجلسه مكانه. وقبل أن يمضي الشيخ إلى سبيله قال له ابنه: ولكنك يا أبي لم تخبرني كيف أقضي إن جاءني خصمان كلاهما عاقل؟ فقال الشيخ: اطمئن، يا بني، فإن هذا لن يحدث، ولن يحتكم إليك خصمان كلاهما عاقل، وإني أقضي ها هنا منذ أربعين خلت، وما اختصم إلي عاقلان في أمر قط..