بوعرفة مدينة تقع على مشارف التخوم المغربية الجزائرية,تنام على سفوح جبال الأطلس التي تحرسها من الجهات الأربع. بوعرفة نجمة تتلألأ حين تأفل باقي النجوم فتملأ المساحات ضياء والأمكنة إشراقا. بوعرفة مدينة هادئة صمتها كصمت القبور المهملة في الأرض الخوالي .صمت لا يعكر سكونه غير تقلبات أحوال الجو المزاجية وتعاقب الفصول الأربع في اليوم الواحد,وشغب الأطفال, ووقع الأحدية في الأيام السوداء. بوعرفة يعتبرها السوسيولوجيون العنوان البارز للتهميش بالمغرب استوطنها الإقصاء حتى باتت تعيش على هامش الهامش أو أللامغرب. صنفتها تقارير وزارة الداخلية ضمن قائمة تضم عشرة مدن أكثر احتجاجا بالمغرب,وان كانت هذه التقارير المدججة بالهاجس الأمني تسجل الطابع السلمي للاحتجاج ببوعرفة وهذه مزية تحسب لها لا عليها. بوعرفة مدينة بلا جذور, بلا أبواب ولا قصور ولا قصبات, مدينة مفتوحة امتزجت فيها كل المكونات التي تشكل الهوية المغربية. ميلاد بوعرفة ارتبط بدخول الاستعمار الذي وطأها قبل الصك الرسمي للحماية, لقد اكتشفت فرنسا مايزخر به باطن بوعرفة من حديد و زنك ونحاس ومنغنيز, فاستغلت شركاتها هذه الخيرات بشكل فاحش, و لما نضب الاحتياطي غادر المستعمر مخلفا وراءه سواعد بلا عمل وأكواما من النفايات ومشروعا ضخما لربط البحر الأبيض المتوسط والنيجر midniger لم يكتمل وبورجوازية محلية عجزت عن إتمام ما بدأه المستعمر. بوعرفة تحولت كبويبلان وأحولي إلى مدينة أشباح بعد إغلاق المناجم مما دفع بهجرة سواعدها إلى المدن المنجمية كجرادة وتويسيت و سيدي بوبكر أو بالعمل بفرنسا وألمانيا بعقود عمل, ومن بقي ببوعرفة لأي سبب من الأسباب أصبح يتسلى بتزجية الوقت في ألاشيء و الحسرة على زمن مضى و البكاء على أطلال عربت فخربت . اغلب من بقي في بوعرفة بعد موت القطاع المنجمي شيوخ يعتصرهم مرض المنغنزيوم الذي يصيب الجهاز العصبي وينخر العظام,حتى انك ترى المصاب يمشي بدون فرامل,وقد يقع على وجهه إن لم يجد من يسنده ومن فضل البقاء شيوخ تحت عتبة الفقر لان الشركة المستغلة تركت لهم تقاعدا غير مريح لايكفي لضمان معيشة تليق بالبشر. بوعرفة قال عنها الكاتب أبو زيد في احد الأعمدة الأسبوعية بجريدة الأيام بأنها منفى ومقبرة,منفى لكل شريف حر, ومقبرة لكل لص لم يوزع بعدالة ما نهب, فهي كمثيلاتها من مدن المغرب غير النافع كزاكورة والراشدية و ورزازات وميسور وطاطا ...الخ لاتصل حالا للتأديب . وهكذا كانت مدينة بوعرفة مقبرة لبعض ضباط وجنود هرمومو وندماء الحاج ثابت المتسترون على نزواتهم في الغرف الحمراء بالدار البيضاء . بوعرفة مقبرة للأحرار,ويمكن أن تصير مقبرة للنفايات النووية أو مقبرة لهياكل الطائرات النافقة باسم الاستثمار. تاريخ أهالي بوعرفة الغابر ضاع في زمن السيبة. وما يصلنا من هذا التاريخ القريب ينم عن صفحات مشرقة من البطولة . فقد ساندوا ثورة الشيخ بوعمامة وجبهة التحرير الجزائرية فيما بعد,ساندوا ثورة عبد الكريم الخطابي عام –أبو القرون- ساندوا جيش التحرير قبل معاهدة – اوكفيون- ,تصدوا للغزو الفرنسي في أواخر القرن 19 وفضحوا مؤامرة التحديث المزعومة, شاركوا في حرب الرمال التي وقعت على مرمى حجر من المدينة وبالضبط في ايش والحاسي البيضاء . بوعرفة تعيش ألان ما يشبه الاستثناء, وهذه الحالة تذكرنا بما عاشته المدينة بعد سنة 1959 حين لعلع صوت الرصاص في الدروب والأزقة جراء اقتتال جناحي علال الفاسي وبنبركة بعد انشقاق حزب الاستقلال. إن الاحتجاج السلمي ألان محظور وكل الأنشطة التي تدخل في خانة "ما من شانه " مرجأة إلى إشعار أخر. الإمضاء السجن المدني وجدة 15 /11 / 2011