بدا محمد دخيسي جد متأثر وهو يلقي كلمته المأثرة أيضا، مساء يوم الخميس 4 يوليوز الجاري بفضاء دار السبتي خلال حفل تكريم نظمته على شرفة مجموعة من فعاليات المجتمع المدني والمجال الإعلامي بمدينة وجدة، التي أبت إلا أن تحضرهذه المناسبة لتوديع أحد الأبناء الأبرار للمدينة الألفية في جو حميمي وبسيط، تبادلت فيه آيات الحب والوفاء خلال الكلمات التي تخللت فقرات البرنامج الذي مضى وقته سريعا، وهنا لا أرغب في الغوص عما قيل في حق هذا الرجل الذي استطاع أن ينتزع الشكر والثناء من طرف الجميع بكفاءة عمله التي أعطت نتائج واضحة وملموسة على المستوى الأمني بالمنطقة، لا يمكن لأي كان أن ينكرها ويتجاهلها وإن كان ذالك من واجبه ويندرج ضمن مهامه ويتقاضى عنه أجرا وأقسم يوما على ذلك. لا شك أن هذا اليوم سيبقى مشهودا وموشوما في ذاكرة "محمد دخيسي" وهو يهم بمغادرة مكتبه بالطابق الثالث بمبنى ولاية أمن وجدة بشارع محمد الدرفوفي، في مدينة ولد وترعرع ونما فيها لهى ولعب في أزقتها ودروبها وحاراتها في شقاء وشغب طفولي، وهو يستعد للرحيل نحو العاصمة الحمراء مراكش أين تنتظره مهمة ليست بالسهلة في حاضرة سياحية تتعايش فيها مختلف الأجناس. وبدا الرجل أيضا مرتبكا وخانته العبارات، فمن الطبيعي أن تحصل مثل هذه الأمورفي مثل هذه المناسبات، وخصوصا الظرفية الصعبة التي يمر بها الرجل بعدما فقد والدته وإلى الأبد خلال الأيام القليلة الماضية، أين ودعها إلى مثواها الأخيرفي مقبرة سيدي محمد، وهو يرتدي زيه الرسمي مجندا لخدمة أمن الوطن والملك الذي كان بين ظهرانينا، لكن شخصية الرجل القوية استطاعت أن تضمر وتخفي تلك الأحزان التي لا نستطيع أن نخفيها عن ذواتنا حينما تختلي بنا، وإن لم يكن له الوقت الكافي ليختلي بنفسه من منطلق مهامه وانشغالاته الصعبة لارتباطها بالاستقرار والأمن في شموليته المرهونة بمقاربات عدة لا يمكن الاستغناء عنها باعتبارها معادلة صعبة ومحورا جوهريا في استباب الأمن الذي يبقى الرابط المشترك بين كل مكونات المجتمع، فلا عيش بدون أمن واستقرار، ولا أقول هنا أن محمد دخيسي عالج كل القضايا الأمنية التي تعرفها الساحة لأن الأمر يتعلق بظاهرة كونية لا تستثني أي بلد في العالم ولا يستطيع أي أحد استئصال طباع طبيعية متجدرة ومترسخة لدى البشر في كل الأمكنة وعبر كل الأزمنة، إنها الجريمة التي تتطور بدورها بتطور البشر وتختلف حدتها من بلد لآخر تساهم عوامل عدة في استفحالها اقتصادية اجتماعية، وسياسية وغيرها من المجالات الأخرى التي أفرزت لنا تلك المقاربات التي ننشدها جميعا لتطوير المنظومة الأمنية ببلادنا، صحيح أن المؤسسة الأمنية بالمغرب، لم تعد ذلك الإدارة الصماء والبكماء المنغلقة على نفسها، بعدما تكسر الحاجز وظهر جيل أمني جديد إن صح التعبير، جيل يملك ثقافة واسعة ويتألقم بسرعة مع كل الأجواء وكل الظروف، من خلال جعل المؤسسة الأمنية إدارة عمومية حقيقية مواطنة ووضع حد لذلك النفور والتباعد الذي كان حاصلا بين المواطن وجهاز الأمن، من خلال نهج سياسة التواصل مع الآخرالذي يعنيه شأن أمن المدينة والبلاد ككل بشكل أو بآخر، الصحفي بقلمه والجمعوي بتوعيته وتحسيسه، دون إغفال النقد البناء والموضوعي فبه يصوب الاعوجاج. ويبقى التواصل عند محمد دخيسي سمة أساسية من خلال فتح أبواب مكتبه ومكاتب مختلف المصالح الأمنية في وجه الجميع من أجل الحصول على المعلومة ، وهنا أقف عن الجسم الصحفي، في حقيقة الأمر ومن منطلق تجربتي المتواضعة في معالجة بعض الأخبار التي تتعلق بالجانب الأمني بالمدينة، لم أجد صعوبة في الحصول على المعلومة طبعا في حدود ما تسمح به القوانين المنظمة لهذا العمل، وهذا حق ولا ليس امتياز فالدستورالجديد هو من ضمن منطق الولوج إلى المعلومة التي تفيد الطرفين لكونها تضع حدا للإشاعة التي تنتشر كالنار في الهشيم وتعطي فرصة للكاتب للغوص أكثر في تفاصيل الخبر لتنوير أكثر الرأي العام. صحيح ليس كل ما يكتب عن الأمن في كل ربوع الوطن حقيقيا وفعليا، فكم من مرة تضخم الأمور وتنفخ في الصور وتتحول بعض القضايا الأمنية كمادة إعلامية دسمة تتصدر عناوين صفحات الجرائد والجدران "الفايسبوكية". ولم يفت والي أمن وجدة السابق بأن يوصي خلفه بأهل الشرق خيرا، مشيدا بكرمهم وجودهم، وجديتهم وكذا خصوصية المنطقة، التي قد تميزها عن باقي المناطق المغربية الأخرى مستشهدا بترحاله وانتقاله المتعدد بين جهات الوطن، تلبية لنداء الواجب الأمني الذي علمه الاحتكاك والتقرب من مختلف الشرائح من خلال خصلة التواضع والتواصل والإنصات للآخر وكذا ذلك الجانب الإنساني الذي يعطي جرعة زائدة في المجال المهني، فكتابة هذه السطور ليست مجاملة أو محاباة في حق الرجل الذي عرفته أول مرة عن قرب خلال الذكرى العاشرة لخطاب جلالة الملك، وبعدها كنت أراه في بعض المناسبات أو الندوات الصحفية التي كان يقيمها بين الفينة والأخرى لإعطاء حصيلة أمنية ما، وحدث مرة أن زرت مكتبه وحدث أيضا أن اتصلت به هاتفيا مرة واحدة أيضا كما أملك صورة تذكارية واحدة معه فالرابط بيني وبين الرجل هو رقم 1، فمنطلق كتابة هذه السطور نبع من قناعة الاعتراف بمجهودات الأخر وإن كانت تندرج ضمن المهام والواجب، فمن واجبنا أيضا أن نرد الجميل وخصوصا إن كان هذا الجميل يصنف ضمن خانة خدمة المصلحة العامة. كما أشيد في الأخير بكل من ساهم سواء من قريب أومن بعيد في إنجاح هذا الحفل التكريمي لرجل أمني لم يعمر طويلا بيننا هكذا إذن هي ظروف العمل في الإدارة العامة للأمن الوطني.