يبدو أن الخلاف الدائر والمستمر إلى حد الآن، بين وزارة العدل والحريات وهيئات المحامين بالمغرب، بسبب مشاريع قوانين وزارة العدل والحريات وغيرها من القضايا الخلافية الأخرى، لا أفق لنهايته، ما دام أن سيل المبادرات الاحتجاجية من وقفات وانتقادات شديدة اللهجة لوزير العدل نتواصل، بما ينم عن فشل حقيقي لوزير العدل والحريات في التعاطي مع هذا الموضوع بما تفرضه القواعد الديمقراطية ومقتضيات الدستور، التي تنص على أهمية نهج المقاربة التشاورية والتشاركية، درءا لأي خلاف قد ينتج عنه إشكالات متعددة، تصبح عائقا حقيقيا أمام إصلاح نظام المحاماة كجزء لايتجزأ من عملية إصلاح منظومة العدالة والقضاء. فحتى هذه اللحظة لا زال الحبل مشدودا بين الطرفين وهو ما لا ينسجم البتة مع المقتضيات الدستورية الجديدة ولا مع مضامين وأهداف إصلاح منظومة العدالة والقضاء، ويشكل عائقا كبيرا أمام تنزيل الإصلاح المنشود، الرامي إلى الخروج من الوضعية الحالية التي يوجد عليها نظام العدالة والقضاء والمحاماة. إن المسؤولية يتحملها في المقام الأول وزير العدل والحريات، بحكم صلاحياته الدستورية والسلطات المخولة له كمسؤول عن فشله في الحوار مع هيئات المحامين، بسبب المقاربة التحكمية والسياسة الانفرادية التي تنهجها وزارته في تدبير قطاع العدالة بأفرعه المختلفة بما فيها المحاماة، في ظل تغييب متعمد لآليات التشاور الديمقراطي والنهج التشاركي بما تتطلبه من شفافية وانفتاح وحوار جاد ومسؤول وحكامة جيدة، وبحث جاد عن نقاط التوافق والتفاهم والقواسم المشتركة التي من شأنها قطع الطريق أمام أي انزلاق، قد يحدث بسبب سوء الفهم أو التفاهم بين الطرفين، وقد يعرض مستقبل الحوار بين الطرفين للانهيار، والذي من المفروض أن يكون الآلية الوحيدة لمعالجة الخلافات وتذليل الصعاب وتصحيح الاختلالات، وإصلاح ما أفسدته السياسات السابقة في مجال تدبير قطاع العدالة وما يتصل بها من مهن كمهنة المحاماة، حيث جاء الدستور الجديد ليضع لها حدا نهائيا من خلال المقتضيات الجديدة التي نصت على إجراء إصلاح شمولي وهيكلي لهذا القطاع بما يصب في خانة تحقيق مبادئ العدل والإنصاف وتكريس احترام حقوق الإنسان، وتعزيز قواعد دولة الحق والقانون. فهيئات المحامين تجد نفسها اليوم مضطرة إلى الوقوف ضد ما يحاك ضدها في كواليس وزارة العدل والحريات من مخططات وتدابير وإجراءات تراها تمثل مسا خطيرابحريتها واستقلاليتها و يستهدف في كثير من المقومات الأساسية لمهنة المحاماة،وبالحقوق المكتسبة للمحامين، بل وقد تتجه إلى إعلان نفسها ك "نقابة" بملفات مطلبية، ما دام "أن زمن المحامين النبلاء، وزمن الهيئات كما كان متعارفا عليها قد ولى"، كل ذلك في ظل ما يجري وضعه من مشاريع قوانين تمس في كثير من بنودها وفصولها بالمحامين وبمهنتهم مما يعني فتح فصول جديدة من المواجهة بين الوزارة وهذه الهيئات". إن قانون المسطرة المدنية مثلا كما يقول بعض ممثلي هذه الهيئات تم إعداده دون استحضار لمقتضيات القانون المهني للمحاماة، رغم الارتباط الوثيق بين النصين، مما يعني وضع المحامين غدا أمام الأمر الواقع، حيث إن وزارة العدل والحريات التي من المفروض أن تكون شريكاأساسيا لهذه الهيئات لا تريد إشراك المحامينفي عملية بلورة قوانين تستجيب لمطالبهم أو على الأقل تتفاعل مع ملاحظاتهم. وهو نفس الأمر الذي حدث بالنسبةلقانون المسطرة الجنائية الذي لا تنتهي علاقتهعند المحامين فقط ، بل تتعدى ذلك إلى مجالات الحرية بصفة عامة، إذ أن ماتم وضعه من بنود ومواد قد وقع فيه خرق للدستور، ومس بورش تحديث مؤسسات الدولة، وهو ما يفرض طرح السؤال حول مدى كون مجال الحريات في عهد الحكومة الحالية أوسع مما كان عليه في عهد الحكومات السابقة؟ وهل تريد الحكومة فعلا أن تمكنالمغاربة من حريتهم كما هو متعارف عليها دوليا، أم إنها تتعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثانية؟". إن مشاريع القوانين التي أعدتها وزارة العدل والحريات، تظل مثيرة للجدل ومناطا للخلاف، عندما اختارت تهميش ذوي الشأن ومن يهمهم الأمر مباشرة، وهم فئة المحامين، كعادة الحكومة بالنسبة لجميع وزاراتها، في سعيها إلى تمرير مشاريع قوانين أو قرارات أو إجراءات في غياب أو في تغييب متعمد للمعنيين، وهي بهذا تعمل على تكريس منطق الهيمنة والتحكم وسياسة الحزب الوحيد، حيث إنالتقليص من مجال عمل وتدخل المحامين من خلال مشاريع القوانين الجديدة لوزارة العدل والحريات، ليس إلا مثالا واحدا من بين عشرات بل مئات الأمثلة، التي تؤكد أن الحكومة ووزاراتها وخاصة وزارة العدل والحريات، ماضية بلا هوادة في خرق الدستور والدوس على المقاربة الديمقراطية التشاورية والتشاركية بدم بارد، وفرض سياسة الأمر الواقع بالقوة وتحت طائلة الترغيب والترهيب. فإلى متى يستمر هذا التعنت والاستهتار بمشاعر المغاربة وتطلعاتهم وانتظاراتهم، والدفع نحو مزيد من التصعيد والتأزيم والاحتقان، والشد والجذب المفتعل الذي يمارسه وزراء حزب المصباح ونوابه تجاه مخالفيهم ومنتقدي سياسة الحكومة؟ إننا اليوم بحاجة ماسة اليوم إلى التعايش والتوافق والتراضي بشأن كل مختلف القضايا والملفات ذات البعد الاستراتيجي والمستقبلي، كملفات مراجعة القوانين الكبرى الحالية وإخراج القوانين التنظيمية وغيرها، وإلا فإن المسار الذي اتخذته الحكومة لتدبيرملفات الشأن العام، وطبيعة تدبيرها للإشكاليات المطروحة، لا يبشر بخير، ونحن نتطلع إلى بناء مغرب ديمقراطي حداثي تسوده العدالة والإنصاف والشفافية والأخلاقيات السياسية النبيلة.