– محسن الهاشمي: قبل 16 عاما من الآن، لم يكن اليوم الثالث من شهر مارس، يوما عاديا في تاريخ المغرب، فقد كان كل شبر من البلاد، في مثل هذا اليوم، يحمل ألوان وأجواء احتفالات صاخبة، بما في ذلك الأحياء الصفيحية، التي كانت الأعلام الوطنية ترفرف فوق أسطح براريكها، تحت رقابة المقدمين والشيوخ. استمرت ثيمة الفرح ، التي كان رجال السلطة يتنافسون في رسمها، على مدى أربعين عاما، هي فترة تولي الملك الراحل الحسن الثاني لزمام الحكم بالبلاد. وعندما رحل إلى دار البقاء، أصبح هذا اليوم، يوما عاديا كباقي أيام الله، حيث لم يعد يوما لعيد العرش . ما زال الكثير من الناس يتذكرون كيف كان عيد العرش، مبعث حالة استنفار قصوى في مختلف أجهزة الدولة، وكيف كان أعوان السلطة ورجالاتها، يتنافسون على فرض أجواء الفرح في كل مكان، في الأحياء وفي الأسواق، وفي الساحات العمومية، كان كثير من هؤلاء يتدخلون لدى ممثلي التجار ومختلف الهيئات المهنية وحثهم على تنظيم حفلات بالمناسبة، يساهم الجميع في تأمين مصاريفها. أما في المؤسسات التعليمية، فقد كانت نسائم الاحتفالات تهب أياما عديدة قبل حلول اليوم المشهود، حيث كان قرب عيد العرش، مناسبة لنشاط إضافي للأطر التربوية وجمعيات الآباء، من أجل تنظيم احتفالات تردد خلالها أناشيد وأهازيج تتغنى بحب الوطن والملك، بأصوات تلاميذ "نجباء" يتم اختيارهم بعناية من طرف مربيهم ومعلميهم. كثير من المغاربة يتذكرون أيضا، كيف كانت برامج الإذاعة والتلفزيون، تلبس هي الأخرى حلتها الاحتفالية، حيث كانت الأفلام والمسلسلات وفقرات الطبخ والصحة، تتقلص مساحتها أو تنعدم، على مدى أيام طوال، لتعوضها برامج تتغنى بازدهار وتقدم المغرب، وسط سيل من أغاني وقصائد المديح، كانت تمتد على مدى ساعات بث كانت تبدو طويلة لكثرة ما تحفل به من معاني وجلال هذه الذكرى. ورغم مرور 16 عاما على توقف الاحتفالات بهذه الذكرى الآن، إلا أنها استطاعت أن تبقى راسخة في ذهن الكثيرين، وهؤلاء يختلفون من جيل إلى آخر، فهناك جيل لم يلحق من هذه الذكرى إلا ما ارتبط منها بمشاهد "طونيك" و "رايبي جميلة"، لذلك فإنها ظلت في ذهنه عبارة عن الكثير من صور الحنين وحلاوة الاحتفال. أما الأجيال الأخرى التي سبقت الجيل المذكور، فإنها غالبا ما تربط هذه الذكرى بسياقات أخرى تنبعث من ثناياها العديد من صور الخوف والرهبة من "السلطة" في حالة إذا لم يظهر الفرد المغربي ابتهاجه الباهر بالعيد الذي تولى فيه الراحل الحسن الثاني عرش أسلافه في مثل هذا اليوم.