– عبد السلام اجبيرن: تعد حراسة المنشأت والممتلكات الخاصة في مدينة طنجة والمغرب عموما، من بين المهن التي لم تصلها قوانين المشرعين، ولم تعرف حتى الآن أي هيكلة من طرف الدولة تدخل مزاوليها في إطار من الحقوق والواجبات، كما هو الشأن بالنسبة للمهن الأخرى. فرغم أنها تشكل المصدر الأساسي الذي تعيش منه الكثير من العائلات، فإن أجرة العاملين في حراسة الفيلات والعمارات الشاهقة تتراوح ما بين 800 درهم و 2000 شهريا، مقابل العمل 24/24 ساعة وطيلة أيام الأسبوع، وحتى في الأعياد. لعربي وهو(عساس)لأحد الفيلات في طنجة منذ سنتان، وعمره لا يتجاوز24 سنة يتقاضى مبلغ 1500درهم في الشهر منحدر من ضواحي وزان، شاب يدخن بين الفينة والأخرى. قصد مدينة طنجة من أجل البحث عن العمل، لتوفير قوت أسرته التي يعتبر المعيل الوحيد لها، بداية العمل، حسب ما يحكي، كانت سهلة حيث كلفه صاحب الفيلا بفتح الباب من أجل الدخول بسيارته، والاهتمام بالبستنة التي تعتبر المتنفس الطبيعي لأصحاب الفيلات، وكذالك(السخرة) منالبقال، لكن مع توالي الأيام أصبح مكلف بإعداد الوجبات الغذائية نهاية بالنظافة مقابل دراهم معدودة،لا تكفيه حتى في التدخين. ويؤكد هذا الحارس أنه كلما غادر الفيلا لحاجة إلا رن عليه الهاتف"ألو فين نتا،أجي داغيا ما تعطلش"، مثل هؤلاء الشباب ينظرون إلى حياتهم نظرة الشؤم والعار، لما تلحق بهم هذه المهنة من أضرار نفسية، دون رحمة أو شفقة وخارج القانون، ليس لديه إجازة صيفية ولا تغطية صحية سوى مبلغ 1500 كتعويض عن العمل وبيت صغير تسكن بجواره فئران،قطط وكلب،الكل يواسيه الهموم، مع الإعفاء من مصاريف الماء والكهرباء،مقابل العمل 24ساعة/24 ساعة طيلة أيام الأسبوع. (عندي الريح)،بهذه العبارة استقبل مبارك(الخبر)وعيناه محمرتان بعد20 سنة من العمل، كحارس للفيلات بمنطقة خليج طنجة ،وهو رجل تجاوز سن الخمسين وأب لأسرة ،متكونة من 6 أفراد، يكتري مسكن صغير بطنجة البالية مقابل 1000 درهم،حيث التحق بهذه المهنة منذ أن وطأت رجلاه مدينة عروس الشمال، طمعا في بناء مستقبل أولاده،الذين عانوا الكثير في أحد (البراريك) بهذه المنطقة حسب قوله،إذ يقول متى أراد (البطرون) تسريحه من العمل، لا يجد حرجا في اتخاذ القرار،يسلمه المبلغ عند نهاية الشهر،تم يطرده دون أية تعويض رغم طول المدة التي قضاها في خدمته، كما فعله أحد مشغليه في أحد الأيام حينما رفض دفع مبلغ شهرين من العمل مع الطرد دون سابق إنذار. مبارك حاول الجمع ما بين الحراسة والبستنة،من أجل توفير احتياجات أسرته، حيث كان يستغل سفر مشغله، من خلال البحث عن مصدر آخر(البستنة) في الفيلات القريبة من مكان عمله، لتوفير المزيد من المال حفاظا على كرامة أسرته،المبلغ التي كان مبارك يأخذه في التسعينات حسب قوله كان يحقق له الاكتفاء الذاتي، لكن الآن ومع توالي الأيام وارتفاع تكاليف المعيشة،لا يكفيه إلا للكراء،مِؤكدا أنه عانى الكثير في أيام المناسبات،حيث كان أحيانا يلجأ إلى صناديق الأزبال من أجل البحث عن متلاشيات ثم يعيد بيعها في سوق كسبرطا مقابل دراهم معدودة، لينتهي به الزمان في ضلال الضائعين،لكنه استطاع أن ينجب أولاد أنقذوه من دار العجزة في حياة مظلمة تاركة ورائها قصص وعبر للآخرين. قصص عديدة ومؤثرة تعود في مجملها إلى العبودية،وإلى العصور الوسطى،فلم يكن مبارك وحده ضحية هذا العمل، حيث أن صديقه (أحمد) التي ضل يعمل حارسا للفيلا المجاورة له، مقابل ألف درهم ، اذ يقطن أصحابها ببلاد المهجر،ففي السنة الماضية طلب الزيادة في الأجرة،بعد خمس سنوات من العمل، فكان الجواب الطرد دون مبرر،صاحب الفيلا لم يتردد في الدفاع عن نفسه،إذ قال (الخبر) أنه بالإضافة إلى ألف درهم،(حارسه) معفي من ثمن الكراء ومصاريف الماء والكهرباء وقال "واش بقي خصوا". هناك عشرات الالاف من ممتهني الحرفة،لا يؤطرهم سوى قانون الحرمان والعبودية والنسيان،ليست هناك جمعية أو نقابة تهتم بهذه الفئة، التي تعمل دون توقف مقابل أجرة لا توفرلهم القوت اليومي، ناهيك عن الصحة والتعليم في انتظار زمن المستحيلات لتقنينها في إطار من الحقوق والواجبات .