سارة موسى (*): هل الفيسبوك مفيد فعلاً للعلاقة؟ هل يقرّب بين المتحابين أم يبرد حبهم حين يعيش كل منهما في مكان مختلف؟ بحث عالمي يكشف الحقيقة. "حبيبي بعيد عني ومتغرّب، ولكن بإمكاني الاتصال به ومتابعة أخباره عبر الفيسبوك. يرسل "اللايكات" والقلوب الملونة والقبلات الافتراضية كل يوم فيشعر بي وأشعر به". هذا ما يردده الكثيرون، ولكن هل التواصل عبر الفيسبوك جيد فعلاً للعلاقة عبر المسافات البعيدة؟ موضوع تطرق له بحث صدر عام 2015 حول حسنات وسيئات وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها على العلاقات عن بعد. لو كانت الشاشات تتكلم لأخبرتنا وسائل التواصل الاجتماعي بالتفصيل عن العلاقات العاطفية. في السنوات الأخيرة، تراجع استخدامنا ل "الايميلات" الطويلة والرسائل النصية عبر الهاتف، وأصبحنا نقضي ساعات غارقين في تفاصيل النصوص القصيرة، ومتابعين أحوال القلب وما يهوى عبر "البروفايل" الشخصي، والتعليقات عبر الفيسبوك وتويتر. وعلى خلاف الاتصال الشخصي عبر سكايب وغيره، فإن ما نكتبه أو نرسله على جدران صفحات الفيسبوك أو تويتر، بإمكان أي شخص من أصدقائنا وأحبابنا ومعارفنا متابعته، أي أنها أصبحت شبه علنية. وطبعاً هناك من لا يبخل عن نشر كلمات الحب والغزل عن الشريك أو الشريكة علنا، بل يصل الأمر أحياناً إلى حد التجسس على حركات الحبيب أو الحبيبة، ومتابعة تحريات الصور و"اللايكات" والتعليقات. اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي أصبح ضرورة ملحة حين يصعب اللقاء بمن نحب... ومع انتقال الناس للعمل أو الدراسة في الخارج زادت هذه الحاجة، بل أصبحت أحياناً الوسيلة الوحيدة المتاحة لجس نبض الأحباب. ولكن هل "السوشال ميديا" جيدة فعلاً للحفاظ على العلاقة رغم بعد المسافات؟ كيف يمكن أن يؤثر الفيسبوك على العلاقة العاطفية حين يكون كل حبيب في بلد مختلف؟ توثيق العلاقة خلال إنجاز هذه الدراسة راقبت مجموعة من الباحثين العالميين سلوك 272 شخصاً عبر الفيسبوك، كان 60% منهم في علاقات مع أشخاص عن بعد، والبقية يعيشون على مقربة ممن يحبون. حلل الباحثون مقدار التواصل بين الأشخاص الخاضعين للمراقبة والبحث، وطريقة استخدامهم للفيسبوك، وتساءل الباحثون ما إن كان الفيسبوك أداة فعالة للجهر بالحب أم هو فقط طريقة سرية للتجسس على الطرف الآخر؟ الخبر الجيد لكل من يندب حظه على أنه بعيد عمن يحب هو أن "العلاقات عن بعد يمكن أن تعطيك شعوراً طيبا"، وفقاً للدراسة. الأزواج الذين تفصلهم عدة كيلومترات ولكنهم على تواصل عبر الفيسبوك، كثيراً ما يشعرون بالرضا والثقة والالتزام بالعلاقة بشكل لا يقل عمن يعيشون قرب محبيهم. وفي ذلك أوجه شبه مع دراسة أخرى توصلت إلى أن المتحابين الذين يعيشون بعيدا عن بعضهم البعض، يشعرون بتقارب ومودة أكثر من الذين يعيشون في نفس المكان. ربما يكون الفيسبوك أداة فعالة لإبقاء نار الحب مشتعلة، وطريقة سهلة ومجانية للتواصل والتعبير عن مشاعر الوفاء تجاه الطرف الآخر، وفقاً للدراسة. ولذلك من الطبيعي أن يكون استخدام برنامج الفيسبوك للاتصال مع الطرف الآخر أكبر عند الذين تفصلهم الظروف والجغرافيا عن بعضهم البعض. من خلاله يعرف الطرف الآخر أنه على بالك بإرسال كلمات وإيماءات تسر القلب. وإن سألك كيف تقضي يومك، فهذا يوثق العلاقة ويساعد على التقارب. غيرة مضاعفة؟ من جهة أخرى، لاحظ فريق البحث أن معدل التجسس على تحركات الطرف الآخر مرتفع عندما يكون كل شريك في بلد مختلف، ولوحظ قيام بعض الأشخاص باستخدام الفيسبوك لمحاولة التحري عن سلوك الطرف الآخر والتأكد من مدى وفائه. ربما يكون من الطبيعي، بل ومن المفيد أن نتابع أخبار الحبيب أو الحبيبة حين يكون غائباً عنا من خلال صوره أو تدويناته أو أخباره، إلا أن هذه المتابعة قد تكون فخاً أحياناً، وتحديداً حين يتعدى ذلك حدود الاطمئنان ويحاصرك شبح الشك والغيرة: وهذه مشكلة شائعة لاحظها الباحثون عند مراقبة سلوك المحبين الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي. يبدو أن المتحابين يغارون أكثر على بعضهم البعض حين تفصل المسافات بينهم، فتجدهم يتساءلون: "من هذا الشاب الغريب الذي قامت خطيبتي بإضافته إلى قائمة الأصدقاء؟ لماذا قامت بالموافقة على صداقته" أو أن تتساءل الأنثى: "من تلك الفتاة الأنيقة التي تجلس قربه في الصورة الجماعية التي تم التقاطها في مكان عمله؟ ترى هل هناك علاقة بينهما"؟ إذن يمكن أن يكون الفيسبوك فخاً لهؤلاء الأشخاص الذين يبنون بيتاً من الرمال عبر بناء توقعات أو تخيلات وشكوك افتراضية خارجة عن الواقع. ولكن هل يعني ذلك أن الفيسبوك له حسنات؟ "ربما نعم"، يقول الباحثون. هذا التوتر الحاصل قد يكون محفزاً لأن تبذل جهداً إضافياً لإشعار الطرف الآخر بحبك واهتمامك وثقتك، وطبعاً لا تنسى أن تتحلى بالصدق.