بعد سقوط مدينة سبتة في يد البرتغاليين في 21 غشت 1415م، وجه البرتغاليون أنظارهم إلى مدينة طنجة "الأزلية" حسب وصف المؤرخ ليون الافريقي، فسعوا لاحتلالها هي الاخرى، لكن طنجة لم تكن مثل سبتة ففشلوا في تحقيق ذلك سنين طويلة. مات من مات من ملوك البرتغاليين، حتى جاء الملك ألفونسو الخامس، الملك الذي علق عليه المسيحيون الاوروبيون أمالهم باستيراد هيبتهم بعد سقوط القسطنيطينة على يد محمد الفاتح العثماني، فكانت أول غزوات الملك الفونسو الخامس الناجحة، هي احتلال مدينة القصر الصغير سنة 1458م. احتلال القصر الصغير كان البداية لسقوط عدد من الثغور المغربية الاخرى، فجاء الدور على مدينة أصيلة التي عانت من حصار شديد حتى تمكن البرتغاليون بقيادة الملك ألفونسو الخامس من احتلالها في 20 غشت 1471م. تأكد المغاربة في طنجة أنهم مهما قاوموا لرد الاحتلال البرتغالي القادم، فإنهم لن يفلحوا، فجمعوا أثمن ما يملكون وفق وصف ليون الافريقي في كتابه "افريقيا"، فبدأوا في الرحيل عن المدينة متوجهين نحو فاس، فدخل البرتغاليونالمدينة دون مقاومة في 29 غشت 1471م. هذه الهزائم المتتالية للمغاربة وفقدان ثغورهم البحرية كان لها وقع مؤلم في نفوس المغاربة، وبالمقابل كان له وقع النصر العظيم لدى البرتغاليين، فكتب المغاربة كتبا ترثي سقوط طنجة وباقي السواحل، وكتب البرتغاليون كتبا تتغنى بالانتصار وتحقيق الاحتلال. غير أن ملك البرتغال ألفونسو الخامس أبى أن يخلد غزواته للسواحل المغربية في الكتب فقط، فأمر بصنع زرابي فاخرة مصنوعة من الصوف والحرير، تصور معاركه لاسقاط طنجةواصيلة والقصر الصغير، وهي الزرابي التي تعرف اليوم باسم "زرابي باسترانا" (Pastrana). ويقول عدد من المؤرخين أن هذه الزرابي التي يصل عددها إلى 6، قد تم صنعها في مدينة تورناي البلجيكية، ويرجح أن يكون النساج البلجيكي الشهير في ذلك الوقت " باسكيير غرينيي" (1447م – 1493م) هو من أنجز تلك الزرابي في معمله بذات المدينة، بأمر من ملك البرتغال. ويضيف المؤرخون، أن هذه الزرابي قد بدأ نسجها بعد سقوط طنجة، وتم الانتهاء منها في سنة 1475م، وهي الزرابي التي تصور انجازات الملك البرتغالي ألفونسو الخامس في احتلاله لسواحل شمال المغرب وتصور حملاته وجيوشه. وكل زربية من هذه الزرابي تحمل اسما خاصا بها، فالزربية الاولى تحمل اسم "انزال الجيش البرتغالي في أصيلة"، والثانية "حصار أصيلة"، والثالثة "الهجوم على أصيلة"، والرابعة "تسيلم طنجة"، والخامسة "حصار القصر الصغير"، والسادسة "الدخول إلى القصر الصغير". وقد تم انجاز هذه الزرابي بطول 4 أمتار وبعرض يصل إلى 11 أمتار، وتعرض اليوم بأحد المتاحف بمدينة "باسترانا" التابعة لأقليم كودالاخارا باسبانيا، غير أنه يتم في كل مرة القيام بجولات لهذه الزرابي في مختلف متاحف العالم، في أوروبا وأمريكا لفائدة الزوار والمهتمين بالتاريخ. أهمية هذه الزرابي جد مهمة اليوم، نظرا للمضمون الذي تحتويه رسوماتها، وهي الرسومات التي جعلت سقوط طنجة والثغور المغربية الشمالية في يد البرتغاليين من بين الاحداث القليلة التي شهدها العالم والتي تم تصويرها على الزرابي. هذا بالاضافة الى اعتبار هذه الزرابي من أفضل النماذج القوطية الباقية منذ القرن الخامس عشر. لكن القيمة الكبيرة لهذه الزرابي تتجسد في الوظيفة التي قامت بها ولازالت، وهي تجسيد وتأريخ لأحداث تاريخية متزامنة،(خاصة احتلال اصيلةوطنجة)، مما جعل وظيفتها في ذلك التاريخ مثل وظيفة الكاميرا اليوم، عندما تقوم بتصور حدث معين في صور، وهذا في حد ذاته يعتبر من الاحداث النادرة في التاريخ. والمتمعن في هذه الزرابي، يلاحظ الرسومات الدقيقة للحملات البرتغالية على سواحل المغرب، كما أنها تعتبر مادة تاريخية مهمة للاضطلاع على الاسوار والمباني، ونوع الاسلحة، ولباس الجنود، والسفن، وغيرها من التفاصيل الدقيقة. وفيما يخص زربية "تسليم طنجة"، فهي تظهر تقدم الجيش البرتغالي نحو أسوار طنجة من جهة اليسار، فيما يُظهر وسط الزربية مدينة طنجة بأسوارها ومبانيها، وعلى جهة اليمين يظهر سكان طنجة المغاربة وهو يرحلون عن المدينة تاركين اياها ورائهم. ورغم ما تسجله هذا الزرابي من أحداث مؤلمة في تاريخ المغرب والمغاربة، إلا أنها تبقى من الدلائل القوية التي تشير إلى فرحة البرتغاليين الكبيرة بتلك الانتصارات التي حققوها، بعد سلسلة من الهزائم التي حدثت قبل ذلك، وهي الهزائم التي فقدت فيها البرتغال الالاف من جنودها أمام السواحل المغربية، حتى صل الأمر إلى فقدان أحد أمرائها والمئات من أشهر قوادها.