في وقت يرزح فيه الملايين من المدنيين تحت وطأة النزاعات والحروب وتداعياتها من تدمير للأوطان وتقتيل وتهجير، يشكل اليوم العالمي للسلام الذي يصادف 21 من شتنبر من كل سنة وقفة لنبذ العنف وترسيخ قيم التسامح والتعايش والدعوة إلى حل النزاعات بالطرق السلمية وحماية المدنيين في مناطق النزاع مع مراعاة القانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين. وإحياءا لهذا اليوم، اختارت الأممالمتحدة هذه السنة شعار "معا للسلام: كفالة الاحترام والسلامة والكرامة للجميع" في سياق حشد الدعم لمختلف المبادرات الرامية إلى مساعدة ضحايا العنف والنزاعات بما فيها مبادرة "معا" الأممية التي تروم تعزيز الاحترام والسلامة لجميع من أجبروا على الفرار من ديارهم طلبا لحياة أفضل، والتصدي لتزايد التمييز وكره الأجانب. ويشهد هذا اليوم في كافة دول المعمور تنظيم مبادرات لتعزيز قيم العيش المشترك ومناهضة التمييز وتشجيع التضامن الانساني تجاه المهاجرين واللاجئين الذين اضطروا إلى مغادرة أوطانهم أملا في إيجاد ظروف حياة أفضل والذين سرعان ما ترتطم أحلامهم في إيجاد بلد لجوء تسوده قيم التضامن والتكافل الإنساني بواقع تنامي الحركات العنصرية الرافضة للآخر، ما يطرح ضرورة غرس قيم الاختلاف والتنوع وقبول الآخر. وتكتسي قضية اللاجئين أهمية بالغة في ظل استمرار النزاعات الدموية في سوريا وأفغانستان وميانمار وجنوب السودان وإفريقيا الوسطى وغيرها من بؤر التوتر، حيث أثبت المنتظم الدولي فشله في فرض مبدأ "مسؤولية الحماية" وضمان احترام الأطراف المتنازعة للقانون الدولي الإنساني. ولعل إحصائيات المفوضية السامية للاجئين كافية لإثبات فشل المنتظم الدولي في الحد من ظاهرة اللجوء التي استفحلت بفعل استمرار النزاعات والاقتتال الداخلي، بحيث تفيد المفوضية بارتفاع أعداد النازحين هربا من العنف والاضطهاد إلى 65،6 مليون شخص سنة 2016. ويأتي السوريون في صدارة الترتيب بحوالي 5،5 مليون لاجئ متبوعين بالأفغان (2،5 مليون لاجئ) ومواطني جنوب السودان (1،4 مليون لاجئ)، بحسب المفوضية السامية للاجئين. وفي رسالة بهذه المناسبة، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس أن اليوم العالمي للسلم "يجسد تطلعاتنا المشتركة إلى إنهاء المعاناة التي لا داعي لها الناجمة عن النزاعات المسلحة. فهو يتيح لحظة لشعوب العالم لكي تعترف بالروابط التي تجمع بينها، بصرف النظر عن بلدانها الأصلية. وهو اليوم الذي تدعو فيه الأممالمتحدة إلى وقف إطلاق النار على مدار 24 ساعة على الصعيد العالمي، على أمل أن يفضي يوم من السلام إلى يوم آخر، يعقبه يوم مثله، ثم في نهاية المطاف إلى إسكات دوي الأسلحة" وأكد غوتيريس أن تحقيق السلام يتطلب أكثر من مجرد وضع الأسلحة ، مضيفا أن السلام الحقيقي يقتضي إقامة الجسور ومكافحة التمييز والدفاع عن حقوق الإنسان لجميع شعوب العالم. وأبرز في هذا السياق ضرورة التركيز بوجه خاص على محنة اللاجئين والمهاجرين في جميع أرجاء العالم، داعيا المجتمع الدولي إلى ضمان "حصول كل فرد ممن يجبرون على الفرار من ديارهم على الحماية التي يستحقها بموجب القانون الدولي". ويشكل هذا اليوم مناسبة لاستحضار الجهود الحثيثة التي ما فتئ المغرب يبذلها في سبيل استتباب الأمن وضمان ظروف حياة أفضل للاجئين والمهاجرين من خلال سنه لسياسة هجرة رائدة على المستوى القاري تضمنت برامج شاملة ومندمجة تروم إدماج المهاجرين واللاجئين المقيمين بالمملكة في النسيجين الاقتصادي والاجتماعي المغربي. وانسجاما مع مبادء التضامن مع الشعوب الشقيقة والصديقة، يواصل المغرب مد يد المساعدة للشعوب التي تعيش ظروفا صعبة من خلال إرسال المساعدات الإنسانية كما هو الشأن بالنسبة للمساعدات التي أرسلها المغرب مؤخرا لمسلمي الروهينغا النازخين إلى بنغلاديش هربا من الاضطهاد ببورما. كما أن المغرب يعد من الدول القلائل التي مازالت تواصل تقديم الخدمات الطبية للاجئين السورين بمخيم الزعتري بالأردن. ويضطلع المغرب أيضا بدور محوري في إقرار السلم بالعديد من بلدان القارة السمراء من خلال مشاركته في قوات حفظ السلام والاستقرار والتي اضطلعت فيها القوات المغربية فضلا عن مهامها الأمنية والعسكرية، بأدوار اجتماعية وإنسانية جعلتها محط احترام وتقدير. وتجدر الاشارة الى ان الجمعية العامة للأمم المتحدة أعلنت اليوم العالمي للسلام في عام 1981 من أجل "الاحتفال بمثل السلام وتعزيزها بين جميع الأمم والشعوب"، وبعد عشرين عاما، حددت الجمعية العامة 21 شتنبر تاريخا للاحتفال بالمناسبة سنويا "كيوم لوقف إطلاق النار عالميا وعدم العنف من خلال التعليم والتوعية الجماهيرية والتعاون على التوصل إلى وقف إطلاق النار في العالم كله".