هذا النوع من النفاق قد نسميه ظاهرة أو آفة أو مرضا مزمنا ، فسميه ما شئت، لأن هذا الغول الذي أصبح يقض مضجع العديد من الناس تغلغل في كل مناحي الحياة ، قد تجده في الشارع وفي المدرسة وفي الإدارة وبين الأسر وحتى بين الأزواج. فالنفاق الاجتماعي كما يعرفه الجميع هو ارتداء قناع يحجب الحقيقة عن صاحبه، ويظهره في ألوان الطيف وصفات تحول دون إظهار ما يروج في عوالمه الداخلية، وبالتالي يصبح الشخص قادرا على لعب مجموعة من الأدوار في زمن قياسي وفي مواقف مختلفة.فتارة يتمظهر في ثوب البريء براءة الذئب من دم يوسف ، وتارة في ثوب البطل المغوار الذي لا يشق له غبار ، و تارة أخرى في ثوب المغلوب على أمره إلى درجة تجوز فيه "الصدقة" .وأمام هذه الفسيفساء من النفاق الاجتماعي، يبقى هذا الأخير وسيلة لتحقيق منافع شخصية ، والوصول إلى الهدف المنشود في سرعة البرق وإن اقتضى الأمر أن يتلون الشخص المنافق بألوان الحرباء حين توضع في وضعيات ومناخ مختلفين . ومن مظاهره، الابتسامة الصفراء والمجاملة المبالغ فيها والتلاعب بالعبارات والتملق وما شابه ذلك ...فهذه كلها صفات المنافقين الذين قال في حقهم العلي القدير"وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يوفكون"(سورة المنافقون). وفي هذا السياق هل يمكن اعتبار المجاملة نفاقا ؟ ففي الحقيقة المجاملة مطلوبة بين الأفراد والجماعات ،ولكنها إذا كانت سترفع من همة الشخص أو تدفعه إلى كسب الثقة أو تحفزه على العطاء والبذل، فهذا سلوك محمود يساهم في تمتين العلاقات بين الناس وحينها لن تكون هذه الصفة تمت بأي صلة إلى النفاق، ولكن إذا تحولت إلى مطية لتحقيق أهداف شخصية فستتحول المجاملة إلى سم دس في صحن الأشخاص المخلصين وأصحاب النوايا الحسنة. فمن الأشخاص من يكثر من الصدق حتى تحسبه صديقا ، مع العلم أن قلبه قد تجده مملوء بالحقد ، وهناك من يكثر من الود حتى تحسبه خليلك ، مع العلم أنه قد يغرس مخالبه في جسدك إذا ما اختل توازنه ولفظه الآخر كما يلفظ البحر زبده .وأخيرا وهذا ما قد نعتبره جريمة إذا ما مورس هذا النوع من النفاق الاجتماعي ، والمتمثل في تزييف الحقائق وخلط الأوراق حتى يختلط الحابل بالنابل ويضمر صوت الحق ، حينها يعز اللئيم ويذل النبيل . ولكن نقول لمن يحترف هذا النوع من النفاق ، الزمان كفيل بالنيل من هؤلاء المتلاعبين برقاب العباد وسرعان ما ستحجب عنهم الشمس ضوء النهار. فلنساهم في تعطيل عجلة الممتهن لهذا النوع من النفاق – النفاق الاجتماعي- لأنه يساهم في تفكيك النسيج المجتمعي لكل أمة، وسواد الحقد والبغض والانتهازية، وتغليب المصلحة الخاصة على العامة .حينئذ ،سيرخي الليل سدوله وسيعم الظلام الحسي والروحي . فآن الأوان لتتظافر الجهود ،وكل من موقعه، لاجتثاث هذا السلوك من جذوره. فنحن نناشد كل المثقفين والعلماء والأساتذة وفقهاء الدين وحتى من أوتي الحكمة بأن يعملوا على تبيان مخاطر ومساوئ النفاق الاجتماعي وسبل تجنبه لترقى الأمم و يعم السلم الاجتماعي وذلك بتنشئة الأجيال على التوازن الروحي والسلوكي