يعرف العالم كله أن المغرب لا يفوت أي فرصة سانحة، أو غير سانحة، ليطالب حكام الجزائر بفتح الحدود، المغلقة منذ عشرين عاما، والجزائر تقوم بجهد كبير لتصم آذانها عن النداء الأخوي للرباط، لتبقى المطالبة المغربية مجرد صيحة في واد. وعندما سيستجيب، العسكر المتسلط على الحكم في الجزائر منذ الاستقلال، للنداء الأخوي، سيكون فتح النار هو اللغة التي يتقنها.
هكذا صدر الأمر العسكري لحرس الحدود، بتصويب السلاح صوب رأس أي مواطن مغربي يتحرك في الجانب الآخر من الشريط الحدودي.
ولما اجتمعت الحكومة المغربية للاحتجاج ضد الاعتداء على مواطنين مغاربة وإصابة أحدهم إصابة بليغة في وجهه، سيشير بلاغها إلى أنها "ليست المرة الأولى التي يقع فيها حادث مماثل، ففي 17 فبراير 2014، حدث إطلاق نار لم يستهدف الساكنة في المناطق الحدودية بل استهدف مراكز حرس الحدود المغربية".
واضح إذن، من خلال توقيت الحادث أن المحركين لخيوطه من الجزائر، يهدفون إلى تصدير المشاكل والصراعات المحتدمة التي تعيشها اليوم الجزائر، إلى الجارة الغربية، أي المغرب، وذلك بإبعاد الأنظار المركزة على ساكن قصر المرادية، حيث لم يعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قادرا على الجلوس فوق كرسيه المتحرك، وتحريك يديه أو تقاسيم وجهه.
إذ تقول الأخبار المتسللة من سرايا القصر الجمهوري، أن الرئيس يلازم الفراش في ما يصطلح عليه طبيا ب"الموت السريري". وهو ما جعل القوى المتنفذة في الحكم هناك تستنجد بأحد الأسماء من الحرس القديم، الأخضر الابراهيمي، الذي ظهر على الشاشة ليدلي بشهادة مشكوك في صحتها، ويصرح مؤكدا أن بوتفليقة يتمتع بصحة جيدة ستمكن من إعادة انتخابه مرة أخرى، ولن تكون "العهدة الرابعة" رابحة من دون خامسة، "الله يبارك".
كما أن أحداث العنف بمنطقة غرداية المشتعلة من أشهر عجزت قوات القمع عن إخمادها، بل إن هذه القوات نفسها ستتمرد على رؤسائها المباشرين، وتقوم الشرطة بمظاهرات غير مسبوقة، وستعتصم أمام قصر بوتفليقة، وتقدم مطلب رحيل رئيس جهاز الشرطة، والتسريع بتسوية أوضاعها المادية.
وهو ما جعل الجزائر تبدو أمام أنظار العالم كدولة هشة لا تختلف عن الكيانات المتخلفة، وليست دولة غنية بالموارد الطبيعية، النفط والغاز الذي يتساءل الشعب عن مآل مداخيله.
وإذا أضفنا إلى ذلك الفضائح المتوالية التي طفت فوق السطح، في السنوات الأخيرة، وتورط أسماء كبيرة في اختلاسات ونهب المال العام للشعب الجزائري، ومن بين المتورطين شقيق بوتفليقة ومقربين آخرين منه، وتدهور أسعار النفط في الأسواق العالمية، كل ذلك فرض على سادة الظل في النظام الجزائري أن يولوا وجوههم صوب المغرب، فثمة الحل الأسهل.. في انتظار ترتيب البيت الداخلي وتأثيثه بالدمى غير العصية على التحريك.
كل هذا، في الوقت الذي ينعم فيه المغرب بالاستقرار، وينأى مسافات عن عواصف ما يسمى ب"الربيع العربي"، منكبا على تجاوز المشاكل والإكراهات في مختلف المجالات التنموية وغيرها.
قبل حوالي سنة أصدر الزميل الطيب الدكار المتخصص في العلاقات المغربية الجزائرية كتابا عن دار "لارمتان" الفرنسية، اختار له عنوان: "المغرب والجزائر: الحذر المتبادل"، فهل أتعبت حالة الحذر عساكر الجزائر، وصاروا يفكرون في سيناريو "تبادل النار"؟
إنه المقترح الجزائري الوجيه لبناء الاتحاد المغاربي، وإقامة كيان وحدوي يستجيب لتطلعات الشعبين في الجزائر والمغرب وأماني باقي شعوب المنطقة.