ليس هناك اختلاف كبير بين المقاطعين للانتخابات وبين المشاركين فيها..ليس المقاطعون ملائكة والمشاركون شياطين..ولا العكس صحيح أيضاً..في موسم الانتخابات يخرجون جميعاً إلى الشعب..نحو الشعب..وعندما تنتهي الانتخابات يغيبون جميعاً من حياة الشعب..كلهم يتحدثون عن الشعب.. ولا أحد يتكلم مع الشعب..المقاطعون يصرحون أنهم مع "الشعب المقاطع" وهم يعرفون أن "مقاطعة" الشعب ليست من تأطيرهم.. ولا تعبر عن وعي سياسي يحمل "تصورا" لنظام سياسي أفضل وممكن..يعرفون أن رفض النظام السياسي القائم لا يعبر عن وعي سياسي بالضرورة..لأن الوعي السياسي يبدأ من تصور مجتمع أفضل أقل استغلالاً وظلما ولامساواة..الرفض الانفعالي لانتخابات "النظام" يبقى انفعاليا ولا يرقى لمستوى الوعي السياسي المسؤول.. والمشاركون يقولون..أيضاً..إنهم يعبرون عن "الشعب المشارك" الذي صوت عليهم..وهم يعرفون ألا أحد يصوت على البرنامج السياسي..لأنه..بكل بساطة..كل الأحزاب التي شاركت في الحكومة لا تملكه..يعرفون أن الناس في الأغلب الأعم تصوت على الشخص وليس على الحزب مدفوعة بأسباب متعددة..منها علاقة المنفعة أو علاقة الدم أو القبلية أو علاقة مهنية…إلخ.. المقاطعون دورهم رفض ومقاطعة ما يقوم به "النظام المخزني"..والمشاركون في أغلبهم ينفدون ما يقرره "النظام المخزني"..يعني أن الفاعل الوحيد في الواقع هو "النظام" والباقي على تناقضهم مجرد ردود فعل..لا ترقى إلى مستوى الأفعال المنتجة سياسيا القابلة للتراكم والقادرة على خلق الفارق السياسي المؤثر فعلاً على ميزان القوى الراهن..وهذا طبعا يجتاج إلى درجة معينة من الصدق وممارسة النقد الذاتي والقدرة على تصور سياسي يمكن تعميمه وسط الشعب تصورا واضحاً مفهوماً قادراً على تعبئة الجماهير للنضال لأجل تحقيقه..وهذا هو المفقود عند الجميع تقريباً..المقاطعون يخبئون فشلهم في تأطير المواطنين وراء "الشعب المقاطع"..والمشاركون يخبئون منافعهم وفشلهم السياسي وراء "الشعب المشارك"..يبقى في النهاية الشعب في وادٍ..وهؤلاء المختبئون وراء أصبعهم في وادٍ آخر..