استأثر الثري السوسي موم الحوس كشخصية عصامية باهتمام كبير لدى الخاصة والعامة بكل من سوس بلده الأم وفرنسا حيث راكم ثروة كبيرة من التجارة. ازداد مومو الحوس المعروف لدى أهل تيغمي ب"سيدي موم" 1913 بدوار أوكارس ب"أفلا أونزي" جماعة تيغمي نواحي تيزنيت. وينحدر من أسرة "إعجلين" التي لها مكانة اجتماعية مهمة في الاطلس الصغير، ومن الذين اشتهروا منها أكثر سيدي محمد أعجلي دفين "أوكارس".. اسمه الكامل هو: موم بن الحوس بن امبارك ألتيت. اسمه الشخصي "موم" في الامازيغية أتى في صيغة تمليح اسم محمد. كذلك اسم أبيه "الحوس" أتى على صيغة تمليح اسم الحسين. انطلقت باكورة الطموح التجاري عند موم الحوس في بداية الثلث الثاني من القرن العشرين، وشرع في بيع زيت الزيتون، الذي اشتهر بعصره أناس من قبيلة ويجان، لسكان القرى التي تصير معزولة في فصل الشتاء من ايداكوكمار، وهي مادة ضرورية في التغذية وفي انارة القناديل.. يظهر أن الحس التجاري لدى موم الحوس يعتمد أساسا على فكرة يسيرة للغاية، عمادها "الملاحظة" التي توصله نتائجها الى الاقتناع بوجود خصاص في مجال جدير بالاستثمار، فيبادر بالعثور على حل، فإذا ربح به، انتقل منه لمجالا آخر "لاحظ" سابقا أهمية الاسراع للاشتغال فيه، معتمدا على ثلاثة عناصر هي: الحرص على الجودة في النوعية انتاجا والبيع بثمن مشجع للزبناء والتسهيلات في الاداء للمعسرين. استنتج من كل ما مضى ضرورة انشاء محل تجاري في قرية انزي حيث يتوسط مجال زبنائه، ويجعله مستودعا لسلع أخرى.. واستعان بأخيه العربي أوالحوس، في تسيير متجر أنزي.. الاستثمار في قاعات السينما: بعدما راكم ثروة مهمة من النشاط التجاري انتقل موم الحوس الى اكادير، وفتح دكاكين تجارية في الأحياء الهامشية من المدينة، قبل أن يطور أعماله لاحقا، حيث فاجئ الجميع بإقدامه على الإستثمار في مجال الفن السابع. فشيد القاعة السينمائية التي كانت حدثا كبيرا في جنوب المغرب واختار لها اسم "سينما الصحراء"، في زمن سابق عن المسيرة الخضراء سنة 1975 وكانت بنايتها من بين أجمل ما يبهر في حي تالبورجت بأكادير .. شغف موم الحوس بالسينما جعله يقتحم مجال الانتاج السمعي حيث أسس شركة "وردة فيزيون"، الرائدة في انتاج أشرطة الفيديو، ولها يرجع الفضل في توثيق انتاجات الروايس وفرق أحواش وانتاج أولى الافلام السينمائية باللغة الامازيغية على حامل الفيديو.. عندما اقتنى فندق "رويال" بقلب باريس بثمن بخس ! استفاد موم الحوس من انتعاش العقار باكادير بعد الزلزال واغتنم الفرصة وباع ممتلكاته العقارية ورحل الى فرنسا، حيث افتتح محل تجاريا وشرع في تشييد عمارة للكراء في باريس للمساهمة في معالجة مشكل السكن بالنسبة لأبناء جلدته بالضواحي الباريسية: جانفيليي، فلان.. في فرنسا كون موم الحوس ثروة مهمة وازدهرت تجارته وخاصة مع الصينيين هو أول مورد للشاي الأخضر من الصين والكتان الهندي إلى فرنسا وكان يوفر معظم حاجيات الجالية السوسية بفرنسا: العطور، القرنفل… وكان يمتلك ورشات لخياطة الملابس التقليدية السوسية: "أقشاب نتمغارين" والفوقية للرجال وملابس الأطفال.. اقتحم موم الحوس الاستثمار في الفنادق بمحض الصدفة تارة عن سبق اصرار وتخطيط.. ففي فرنسا تمكن من شراء فندق فخم في قلب باريس دون سابق تخطيط، ويتعلق الأمر بفندق من صنف أربع نجوم يوجد خلف الشارع الشهير الشانزيليزي غير بعيد عن قوس النصر.. ويحكى أن مومو الحوس رغم استقراره بباريس وإتقانه اللغة الفرنسية، فإنه لا يرتدي اللباس الغربي، وظل وفيا للجلباب والسلهام والبلغة السوسية الصفراء "تمنايت".. ذات يوم توجه الى فندق "رويال" Royale لاكتشاف المكان، لكن صاحبة الفندق(البولونية الأصل) منعته من تناول القهوة وأمرته أن يذهب خارجا إلى مكان آخر بدعوى أن المكان خاص بالشخصيات المرموقة والغنية VIP..! ويروى أن موم الحوس تحدى مديرة الفندق وأخبرها أنه مستعد لشراء الفندق ان كان معروضا للبيع، فما كان من المالكة إلا ان اقترحت مبلغا زهيدا للبيع، يقل عن الثمن الحقيقي للفندق، استهزاءا من موم الحوس، الذي لم يتردد في قبول العرض، وأخرج دفتر الشيكات من حقيبته الجلدية "أجبير" وملأ لها شيكا بنفس مبلغ البيع، أمام اندهاش وحيرة البولونية التي لم تفهم كيف يكتنز رجل بزي تقليدي الملايير في حسابه البنكي!.. بناء فندق مصنف في قمة الأطلس الصغير جرت العادة ان مؤسسات الايواء في المناطق الجبلية لا تتجاوز حجم مأوى أو دار ضيافة، لكن موم الحوس رفع السقف عاليا، حيث أنشئ فندقا فخما مصنفا، استوحى تصميمه العمراني من القلاع الأمازيغية بالجنوب المغربي.. فقد أطلق موم الحوس مغامرة استثمارية أخرى في أعماق الاطلس الصغير في مجال الفندقة في بداية السبعينات، مستفيدا من التجربة والخبرة، التي اكتسبها في تدبير الفنادق بفرنسا. وهكذا اختار احدى أجمل قمم مرتفعات "كردوس" في منتصف الطريق الجهوية رقم 104 المتجهة نحو تافروات، لبناء فندق مصنف من فئة ثلاث نجوم، يضم 39 غرفة ومسبح ومطاعم.. بعد تراجع النشاط السياحي في سوس في بداية الألفية الثالثة، قرر موم الحوس بيع فندق "كردوس"، لكنه انتظر فترة ذروة النشاط السياحي من أجل طرح الفندق للبيع: رأس السنة الميلادية، وهكذا ملأ الفندق عن آخره بزبائن/ ممثلين لمدة أسبوع كامل في انتظار قدوم ممثلين عن الشركة التي تعتزم شراء الفندق، وكما كان متوقعا انبهر ممثلو الشركة بموقع الفندق وحجم الملء في الغرف وابتاعوا الفندق بثمن باهض.. يعود الفضل الى موم الحوس (1913-2006) في بناء 80 في المائة من بنايات سوق تيغمي، ورغم ذلك لم يطلقوا اسمه على أي مرفق عمومي بالجماعة القروية، التي ساهم في انبعاثها وتطورها عمرانيا واقتصاديا رشيد مراش -تافراوت