«إنها الكارثة»، هذا التعليق المختصر للمواطن «حسن مودو»، الموظف بوزارة الصحة، لا يخص توصيفا لمصيبة جماعية كان حاضرا في أحداثها، بل يهم الأمر حالة واحدة، لكنها مليئة بالشجن والألم، إنها قصة تفيض من معاناة أب، وجد ابنه «عصام»، الذي اختار حرفة الوالد أو ما يقاربها لخدمة الناس، قبل أن يجد نفسه في نقالة تطوف به من الشمال إلى الغرب بحثا عن علاج فوري لحادث مأساوي و«غبي» كما يقول أصدقاؤه الذين عايشوا معه ظروف إصابته وظروف تنقله للعلاج. «عصام» شاب يبحث عن مسارات الضوء في مستقبله، لفظ كل مغريات العيش مع الوالد، وانتقل بكل حيوية إلى شمال المغرب لممارسة مهنة نبيلة فيها كثير من الأجر عند الله. اختار أن يكون تقنيا للإسعاف الطبي بالمستشفى المحلي سانية الرمل بتطوان، وظل يخدم المرضى بكل بشاشة، يشهد عليها كل أصدقائه، قبل أن يتحول إلى شبح من الضمور والمعاناة في واحدة من الحوادث التي يتحول فيها أبطال الخدمات الطبية إلى ضحايا. القصة بدأت حين كان «عصام» يزاول عمله بالمستشفى المذكور، وفجأة يجد نفسه في مصعد خصص لخدمة المرضى محاصرا بعطب، كان يفرض عليه التصرف فورا، لكن المأساة كانت كبيرة، بعد أن تحول المصعد إلي وحش كاسر، مزق أطراف يده، وتسبب له في كسور متعددة، حولت الشباب إلى جسد مثخن بالدماء ، ولأن الكسور والإصابات كانت خطيرة على مستوى اليد اليمنى، فضلا عن تمزق الشرايين وأصابع اليد، لم يكن المستشفى الذي يشتغل به مؤهلا لتدخل طبي طارئ وفوري ، حسب الأطباء المتخصصين، الأمر الذي دفع إلى نقله من طرف إدارة مستشفى سانية الرمل بتطوان، الذي أجريت له فيه عمليّة لرتق الشرايين الممزقة، إلى مستشفى ابن سينا بالرباط، وهو المكان الذي تشكلت فيه صورة المعاناة التي مازال يحملها معه. والد «عصام» الذي الذي لم يخبر بالحادث، حتى اقتنع أصدقاؤه الذين رافقوه من تطوان، ألا جدوى من الانتظار في مستشفى ابن سينا بالرباط، يصف ما ماحدث بالتفاصيل المملة، عناوينها الإهمال المطلق، غياب متخصصين لإجراء العملية، غياب الأدوات المطلوبة لذلك، ولأن الأب «حسن مودو» كان يعتقد أنه ابن دار الصحة، فقد كانت صدمته هائلة بعدما تحول إلى قاعة انتظار كبيرة داخل المستشفى من دون عناية ، ومن دون أدنى اتصال من المسؤولين بالوزارة، لمتابعة حالة شاب خلف صدمة بالمدينة، بفعل الحادث المروع. ولأن «الكبدة» صعيبة كما يقول المغاربة، فقد انتقل الوالد إلى درجة قصوى من الانفعال، تمكن من خلالها الحصول على اعتراف من المسؤولة حينها علي المداومة، بأنه لا جدوى من بقاء الابن «عصام» داخل المستشفى، لأن عامل الزمن في مثل حالته كان حيويا لإنقاذ يده من التعفن، فقرر «حسن» نقله إلى إحدى المصحات الخاصة بالدارالبيضاء، لتبدأ رحلة المعاناة الذاتية لمواجهة مصاريف باهضة لإنقاذ ابنه من عاهة مستديمة، في غياب مطلق للمسؤولين، وكأن الأمر يتعلق بغريب لا عنوان له في الوزارة، يقول الوالد، ويضيف، لقد فهمت حينها معنى أن يتحول الإنسان إلى مجرد رقم. فقد تطلب العلاج خارج مستشُفي ابن سينا خضوعه لعملية جراحية دامت لساعات في مصحة خاصة بالدارالبيضاء وبتر يده. تَبعاتُ الحادث لم تنتهِ عند هذا الحدّ، فبعد أن فقد جزءا من سبّابته أثناء الحادث، وبعد العملية الجراحية التي خضع لها، نهاية غشت الماضي، بإحدى المصحات الخاصة بمدينة الدارالبيضاء، والتي دامت من الساعة التاسعة ليلا إلى حدود الساعة الرابعة صباحا، خضع لعملية جديدة بذات بالمصحة ذاتها، حيث قام الطاقم الطبيّ من خلالها ببتْر أصبعه الثاني بالكامل، لتتبعها سلسلة من العلاجات، التي كلفت الأسرة مبالغ مالية باهضة، في غياب أي شكل من أشكال التواصل ولا الدعم من قبل المسؤولين بقطاع الصحة. ويقول الأب أن المسؤولين بالرباط يمتنعون عن الإجابة عن ظروف استقبال عصام، لكنهم يتدرعون بغياب الوسائل، لكن الجمعيات المهنية، والنقابات عبرت عن تضامنها مع «عصام» وتحميل المسؤولية للمسؤولين في وزارة الصحة لعدم توفير العناية لموظفين تابعين لها، كما نددوا بظروف الشغل، وحملوا مسؤولية الحادث للوزارة، وللشركة المسؤولة عن المصعد الذي كان سببا في العديد من المشاكل، وطالبت النقابات بضرورة فتح تحقيق نزيه فيما تعرض لع عصام، وتمكينه من التعويض عن الأضرار التي تعرض لها. قضية «عصامى التقني في الإسعاف الطبي بالمستشفى المحلي سانية الرمل بتطوان، تعكس واقع الصحة بالبلاد، فهذا موظف بالوزارة يعيش كل هذه المعاناة ، ولم يجد من يهتم بحالته الصحية، وهو الذي تعرض لحادث مأساوي أثناء إداء خدمته، «فما بالك ببقية المواطنين» يقول الوالد «حسن مودو». إنها الحكاية المضحكة المبكية التي يرددها المغاربة «لي غسل أيديهم من جهة لا يعول عليها»، فيرددون كلمة «مامنوش» لوضع نقطة نهاية للجدل، لكن قطاع الصحة لن تنفع معه هذه الخاتمة، فالمواطنون يقصدونه كل يوم لأن عافية الصحة لا تدوم، ولأن حق العلاج لا فضل لأحد في توفيره. عبد الكبير اخشيشن