الياسمين تزهر بتونس ومصر تستعيد ثورتها والارهاب يتربص بليبيا وسوريا تونس بدأت تقطف ثمار ثورة الياسمين بإرساء مؤسسات ديمقراطية والمصادقة على دستور جديد، لكن الإرهاب لا يزال يتربص بها. المغرب بدوره يسير في نفس المنحى بعد ثورة هادئة قادتها ملكية مواطنة ومستنيرة لبت كثيرا من مطالب حركة 20 فبراير، بالمقابل لا يزال الوضع في الجزائر مفتوحا على كل الاحتمالات رغم تبني دستور جديد مؤخرا. وبشكل أقل حدة بدأت مصر تستعيد استقرارها السياسي بعد الثورة المضادة واستعادة الثورة المغتصبة من قبل متطرفي الإخوان المتأسلمين، وانتخاب رئيس جديد أعطى نفسا جديدا للحياة السياسية والاقتصادية بالبلاد، لكن دولا مجاورة خاصة ليبيا لا تزال تئن من استمرار الفوضى والعنف السياسي وتبحث عن الخروج من الحرب الأهلية وعودة شبح الجماعات الإرهابية. الشيء نفسه في سوريا وفي اليمن حيث المستقبل المجهول واستمرار معاناة المدنيين من إرهاب التنظيمات التكفيرية ونظام بشار. ثورة هادئة عاشها المغرب بقيادة ملكية مواطنة ومستنيرة، فبعد خمس سنوات من مطالب حركة 20 فبراير بعد خطاب 9 مارس 2011، وتبني دستور بعمق أكثر ديمقراطية وانتخاب برلمان جديد مكن من صعود إسلاميي العدالة والتنمية إلى رئاسة الحكومة، بدأت الممملكة تجني ثمار اختياراتها السياسية، أولها الاستقرار السياسي الذي توفره ملكية عريقة منذ أزيد من ثلاثة قرون، مما جعلها نموذجا رائدا بالمنطقة. التجربة المغربية وما تحقق في عهد الملك محمد السادس من مكاسب متعددة، في إطار انتقال ديمقراطي ناعم وهادئ، حسب المحلل السياسي التونسي عبد اللطيف حناشي، مكنت من ترسيخ الاستقرار واحترام المؤسسات، بل وتعزيز الاختيارات التي انطلقت مع هيئة الإنصاف والمصالحة، وطي صفحة سنوات الجمر والرصاص وأخيرا تبني دستور متقدم. في نفس منحى المملكة المغربية، دخلت تونس عهدا جديدا بعد ثورة تميزت بفرادة أسلوبها ومضمون شعاراتها مكنها من دخول مرحلة الانتقال الديمقراطي السلمي في ظل الحرية التي حُرم منها الشعب التونسي لعقود طويلة. دستور 23 يناير 2014، اعتبر أهم إنجاز الثورة التونسية ففيها تجسّدت أهداف الثورة وتطلعات الشعب التونسي في الحرية والكرامة والتعدّدية والعدالة الاجتماعية والتنمية العادلة واحترام حقوق الإنسان والحكم الرشيد والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين كما جرت 3 انتخابات شفافة ونزيهة (دون عنف برغم المخاطر التي كانت تهدد البلاد) لأول مرة في تاريخ تونس المعاصر. الثورة الشعبية في تونس انطلقت في 18 دجنبر عام 2010 احتجاجًا على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السيئة وتضامنًا مع محمد البوعزيزي، الذي أضرم النار في نفسه، استطاعت في أقل من شهر، الإطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي (الذي حكم البلاد لمدة 23 سنة بقبضةٍ حديدية). هذا النجاح الذي حققته الثورة الشعبية التونسية أظهر أن قوة الشعوب تكمن في تظاهرها وخروجها إلى الشارع، وأن الجيش هو قوة مساندة للشعب وليس أداة لدى النظام لقمع الشعب. كما أضاءت تلك الثورة الأمل لدى بقية البلدان بقدرته على تغيير الأنظمة الجاثمة عليه وتحقيق تطلعاته. ورغم ما تحقق في تونس فإن تحديات متعدد تواجهها، وكما يقول المحلل التونسي عبد اللطيف حناشي، فإنها تواجه تحديات داخلية تتمثل في تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، من ذلك تراجع نسبة النمو الاقتصادي التي لا تقل عن 0٫5 بالمائة، و نسبة عجز في الميزانية التي أصبحت تقارب 5 بالمائة (أكثر من 27 مليار دينار)، وارتفاع نسبة المديونية وتواصل العجز التجاري رغم الارتفاع البسيط في حجم الصادرات مقارنة بالتخفيض في حجم الواردات… وارتفاع نسبة البطالة التي بلغت بموفى السنة الماضية 15٫3٪ انخفاض القدرة الشرائية ارتفاع نسبة الفقر وما يرافق ذلك من انسداد في الأفق وانخفاض في نسبة الأمل تضرر قطاعات حيوية في الاقتصاد كقطاع المناجم (نتيجة تواصل الإضرابات)، والأكثر من ذلك أن قطاع السياحة تلقى ضربات موجعة من الإرهاب بعد العمليات الإرهابية التي استهدفت متحف باردو بمدينة سوسة أحد أهم المناطق السياحية بالبلاد، وتواجه البلاد أيضا تحديات خارجية تتمثل في الوضع الإقليمي الضاغط المتمثل في الأزمة الليبية. أما ليبيا، فمباشرة بعد سقوط نظام الراحل معمر القدافي، دخلت البلاد في دوامة العنف، ومؤخرا أعلن المجلس الرئاسي الليبي، عن تشكيل حكومة وفاق وطني مصغرة برئاسة فايز السراج، وهو ما اعتبر خطوة مشجعة في مسار تنفيذ وتفعيل الاتفاق السياسي الليبي الذي أبرمته كافة الأطراف السياسية الليبية في 17 دجنبر 2015 بالمغرب. اتفاق الصخيرات وقع بين الفرقاء الليبيين، لكن الرهان الآن هو القدرة على إقناع القواعد خاصة فيما يخص التشكيلات المؤسساتية وبقاء القوى العسكرية، تحت سيطرة البرلمان الذي ليس سوى برلمان طبرق، ويبقي الإرهاب وتنامي نفوذ تنظيم أنصار الشريعة الموالي للتنظيم الإرهابي «داعش» أحد أخطر التحديات التي تواجه ليبيا ما بعد الثورة. المصريون بدورهم أحيوا الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير التي أطاحت بالرئيس المخلوع حسني مبارك، لكن وسط مشهدين مختلفين لمؤيدي ومعارضي الرئيس المنتخب محمد مرسي الذي تم عزله يوم 3 يوليوز ومازال يُحاكم بعده. ثورة 25 يناير هي مجموعة من التحركات الشعبية ذات الطابع الاجتماعي والسياسي انطلقت يوم الثلاثاء 25 يناير 2011،وأدت إلى تنحي الرئيس محمد حسني مبارك عن الحكم في 11 فبراير. الثورة المصرية رفعت شعار «عيش، حرية، عدالة اجتماعية» وردده المتظاهرون الذين خرجوا إلى ميدان التحرير وانتشروا في ميادين وشوارع أخرى بمختلف المدن المصرية، وهي الثورة التي ستقود الإسلاميين إلى السلطة قبل عزل رئيسهم محمد مرسي ومحاكمته رفقة قيادات الإخوان بعد ثورة مضادة قادها شباب ميدان التحرير والذين اتهموا الإخوان باغتصابها وتحريف مقاصدها. وبينما تعيش بدان كاليمن وسوريا حالة اضطراب، فإن تنامي الخطر الإرهابي الذي باتت تمثله «التنظيمات الجهادية» المتطرفة الموجودة في كل من منطقتي شمال إفريقيا والساحل والصحراء، من أكبر التحديات الراهنة التي تهدد مستقبل واستقرار تلك المناطق خاصة مع ظهور تنظيم داعش الإرهابي وسيطرته علي أجزاء من سوريا والعراق، وكشفت صحيفة «نيويورك تايمز» نهاية شهر يناير 2016 نقلا عن خبراء وعسكريين أمريكيين، أن هذه التنظيمات دخلت في مرحلة تنسيق وتقارب غير مسبوقة، بغية توحيد مناطق شاسعة تمتد من شمال موريتانيا إلى ليبيا، مرورا بكل من مالي والتشاد، المسافة الإجمالية التي تخضع لنفوذ هذه التنظيمات الجهادية تصل حوالي تسعة ملايين كيلومتر مربع، مما يجعلها صعبة المراقبة والرصد والضبط. فبالإضافة إلى معطى تمدد وتوحد الحركات المتطرفة، فإن الضربات القوية الأخيرة التي عرفتها كل من تونس والعاصمة المالية باماكو، يؤكد أن هناك تحولا على مستوى إستراتيجية ومجال اشتغال تلك التنظيمات، حيث انتقلت من مجال الدولة إلى فضاء أوسع عابرا للحدود. إن انتقال التنظيمات الجهادية من القطرية إلى الإقليمية، يكتسي طابعا تكتيكيا سواء بالنسبة للجماعات الجهادية السابقة، على شاكلة التحاق كل من «الجماعة الليبية المقاتلة» و«الجماعة المغربية الإسلامية المقاتلة» بتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» أو بالنسبة للجماعات المتطرفة الجديدة الموالية لتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» في كل من ليبيا والجزائروتونس، مثل «فجر الإسلام» و«جند الخلافة» وغيرها من التنظيمات. تهديد آخر للاستقرار بالمنطقة يغذيه انفصاليو البوليساريو، فحسب مدير مرصد الدراسات الجيو- سياسية، الكائن مقره بباريس شارل سانبروت، فإن القلاقل التي يحدثها انفصاليو «البوليساريو» تشكل مصدرا كبيرا لعدم الاستقرار في منطقة المغرب الكبير، وتشكل خطرا أكبر من ذلك الذي يمثله تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، خاصة وكما يؤكد عثمان تازغارت الكاتب والصحفي الجزائري في الملتقى الدولي الثاني للأمن بإفريقيا الذي ينظم حول موضوع «إفريقيا في مواجهة التحديات الإرهابية .. القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي تهديد استراتيجي»، أنه منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، قامت روابط بين الشبكات الإرهابية وشبكات التهريب التي يتزعمها صحراويون يقيمون بمخيمات بتندوف. تنامي التنظيمات المتطرفة بدول المنطقة يغديه الوضع المتردي اقتصاديا واجتماعيا الذي تشهده البلدان المغاربية، وهي التي ساهمت في تفشي البطالة والفقر والفوارق الطبقية والحرمان على جميع المستويات (السكن، الصحة، التعليم…) وهو التحدي الجديد لأنظمة المنطقة كلها سواء تلك التي اجتازت الحراك بشكل هادئ أو التي لا تزال تتخبط في دوامة العنف.