في منتصف الستينيات من القرن الماضي، قرر الراحل الحسن الثاني إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة الوزراء ومسؤولي الدولة المتهمين بارتكاب جنايات وجنح خلال مزاولتهم لمهامهم، ولذلك صدر ظهير 7 أكتوبر 1972 الذي وضع الأساس القانوني لمحكمة عليا، كان يطلق عليها محكمة العدل الخاصة، من مهامها محاكمة الوزراء وكتاب الدولة والعمال والولاة والقضاة عن ما يرتكبونه من جنايات وجنح أثناء مزاولة مهامهم. ومنذ أن وضع الأساس القانوني لمحاكمة مسؤولي الدولة في الإدارة الترابية وسلك القضاء ، لم تجر إلا محاكمات نادرة، همت كلا من وزير المالية مامون الطاهري ووزير التجارة والصناعة والمعادن والملاحة التجارية محمد الجعايدي ويحيى الشفشاوني وزير الأشغال العمومية وعبد الحميد كريم وزير السياحة. وفي السبعينات أجريت تحقيقات سرية مع شخصيات نافذة ومسؤولين حكوميين رفيعي المستوى بخصوص صفقة معمل السكر في بني ملال. غير أن الملف سرعان ما أغلق لاعتبارات مجهولة وحسب أرقام رسمية ، صدر ت عن محكمة العدل الخاصة منذ 1965، فالأحكام الصادرة عن الأخيرة، تشير إلى أن جرائم استغلال النفوذ والفساد الإداري ترتب عنها اختلاس ما مجموعه 140 مليار سنتيم في 621 ملفا، وحسب وزير العدل السابق محمد بوزوبع فقد تم استرجاع أربعة ملايير، فقط مما يعني أن الدولة لحد الآن لم تسترد 136 مليار حكمت محكمة العدل الخاصة باستردادها قبل إلغائها، لتظل العديد من قضايا نهب المال العام، عالقة بسبب عدم البت أو تنفيذ الأحكام، كما أصبح تحصيل الأموال المختلسة متعثرا، فيما بقيت ملايير الدراهم "سائبة"، أو بمعنى آخر خرجت ولم تعد.. من الرماش إلى النيني، مرورا بالشريف بين الويدان والشولي وملفات المأذونيات والهبات والإكراميات الملكية وملف البناء العشوائي بالهراويين، وملفات المطاحن والقرض الفلاحي والقرض العقاري والسياحي والبنك الشعبي والبنك الوطني للإنماء الاقتصادي وصندوق الضمان الاجتماعي وعشرات من القضايا التي قادت مسؤولين للسجن، كان أشهرهم العامل العفورة ومدير أمن القصور الملكية عبد العزيز إيزو، جميعها شكلت مع بداية العهد الجديد، إشارات قوية عن وجود رغبة حقيقية في تنظيف بيت الإدارة الأمنية والترابية. وإذا كان من البديهي أن محاكمة الوزراء والمسؤولين الأمنيين في الوظيفة العمومية المتهمين بارتكاب جرائم الفساد المالي في السابق كما في الفترة القريبة، كانت تثير الكثير من الجدل القانوني في غياب مرجعية قضائية وفي غياب ممارسة يمكن الاستئناس بها، باعتبار أن التجربة المغربية تبقى محدودة في هذا المجال، إلا أن ما حدث، كشف عن تورط ممثلين لكل الأجهزة الأمنية في ملفات مخدرات وعلاقات مع بارونات معروفين، حيث تضمنت المحاضر أدق التفاصيل عن هذه الارتباطات وعن رشاوى وعمليات تغاضي مفضوحة. كل ذلك كشف عن تحول جذري في علاقة تعامل القصر مع «خدام المخزن»، الذين أصبحوا في غير منأى هم عن الملاحقة القضائية، والدخول للزنازين، قريبا من السجناء من أبناء الشعب، من قبيل عبد العزيز لعفورة وعبد المغيث السليماني وإيزو والقياد والولاة ومتهمين من مختلف درجات الأجهزة الأمنية والعسكرية وشبه العسكرية.