كون عدد من المسلمين في المغرب يرتدون ويعتنقون الديانة المسيحية، فهذا موضوع لابد وأن يثير الجدل، ولابد كذلك أن نعرف كيف نتعامل مع تداعياته وتتجنب ما يمكن أن يخلق لنا من متاعب على الصعيد الدولي، كما حصل بعدما أقدمت السلطات على طرد بعض المبشرين من المغرب. اهتمام مبشرين مسيحيين بالمغرب، ليس ظاهرة جديدة، فطوال عهد الحماية الإسبانية في المنطقة الخليفية والحماية الفرنسية في المنطقة السلطانية، توالى بناء الكنائس والمعابد المسيحية بمختلف مذاهبها (الكاثوليك، البروتيستان والأورتوذوكس)، وكانت هذه المؤسسات تقوم، إلى جانب احتضانها لطقوس دينية، بعدة نشاطات تبشيرية، تحت غطاء بعض الأعمال الإحسانية. ومع ذلك، لم يعتنق الديانة المسيحية إلا عدد محدود وهزيل من ضمن ملايين المغاربة المسلمين، وعلى عكس ذلك، اعتنق الديانة الإسلامية في المغرب عدد أكثر من النصارى. وكانت للمجتمع المغربي مناعة حقيقية ضد نشاط المبشرين، رغم أحوال الهشاشة والفقر التي تعاني منها بعض فئات المجتمع المستفيدة من أعمال البر والإحسان لجماعات المبشرين. ولابد من التذكير إلى أنها مناعة كانت تستمد قوتها من كون المغاربة ظلوا ينظرون إلى التبشير، كوجه من وجوه الوجود الاستعماري. أما اليوم، فالأمر يختلف بعد المراحل التي قطعتها بلادنا في مجالات تصفية النظام الاستعماري. ومن المؤسف أن يكون غياب تأطير حقيقي لفئات المجتمع الفقيرة من طرف السلطات الإدارية والدينية، سببا يساعد بعض المبشرين على استغلال أحوال الهشاشة وحتى السذاجة أحيانا، التي توجد عليها هذه الفئات. أضف إلى ذلك كون المغاربة الذين ظل لهم ذلك الإيمان القوي بالله والرسول آخر الأنبياء، أخذوا يسمعون من يقول لهم، هذه الأيام، بأن في المغرب مجتمع مهدد بالكفر. المغاربة يقولون عن أي إنسان متدمر وحاقد بأنه «كفر» أي أنه في حالة غضب. ومن هنا وجوب التأمل في كل حالة من الحالات التي جعلت بعض الناس يرتدون. وسنجد كذلك أن هناك من سيصبح من النصارى مقابل الحصول على تأشيرة للهروب من الوطن كدليل على ما أصبح للتأشيرة من أهمية في هذا الزمن. في المقابل، سنجد أن من الذين يعتنقون الإسلام، العديد من المثقفين والمفكرين ممن تصرفوا بناء على قناعة أكيدة. وكيف ما كان الحال، فالدين الإسلامي الحنيف، ظل طوال هذه القرون يستمد قوته في المغرب من إيمان المغاربة بالله والرسالة المحمدية، ولهذا لا خوف على الإسلام من حملات المبشرين، سواء أكانوا نصارى أو آخرين، يدعون أن لهم طريقة سياسية للتعامل مع الدنيا والدين، غير طريقة الاعتدال والتسامح التي توارثناها أبا عن جد.