1 – خصص الإعلامي العربي المتميز الأخ عبد الباري عطوان أكثر من مقال صحفي في الآونة الأخيرة ، لموضوع الحرب التي يدق طبولها الحلف الأمريكي – الإسرائيلي ضد إيران . و الواقع أن هناك أكثر من مبرر لتناول هكذا قضية بالغة الخطورة و التعقيد ، خاصة و أن تبعاتها سوف تكون – إن حدثت لا قدر الله – مدمرة على كل الأصعدة و على جميع المستويات ، فالأمر جلل و ما هو بالهزل . إن المتتبع للأحداث السياسية الإقليمية و الدولية ، و المنصت لنبض اللحظة التاريخية العالمية يمكن أن يستنتج دون عناء كبير أن " الانفجار العظيم " قادم لا محالة ، و أن " الزلزال " الرهيب آت لا ريب فيه . فالعالم الغربي غارق في أزمة مالية و اقتصادية غير مسبوقة ، قد تفضي به إلى فوضى غير خلاقة واتخاذ قرارات طائشة ، كما أن الحراك العربي غير كثيرا من الأبجديات المعهودة و المتحكم فيها ، و أسقط رؤساء اشتهروا بالعمالة للأجنبي و القمع و كل أصناف الاستبداد و العسف ، والدفاع باستماتة عن الأجندات الأجنبية و على رأسها توفير الأجواء المناسبة للااستقواء على الوجود العربي ..و فضلا عن كل ذلك وصول حركات الإسلام السياسي المعتدل إلى الحكم في أكثر من دولة عربية ، عبر صناديق الاقتراع ؛ في ظل انتخابات ديمقراطية سليمة و حرة باعتراف المراقبين العرب و الدوليين ! 2 – لا بل إن " الإقبال " على شراء الأسلحة و بأثمنة جنونية و غير مبررة من قبل بعض الدول العربية الخليجية ، يرسخ لدى البعض نزوعا محتملا لموقعة حربية في المنطقة الفارسية / العربية ، خاصة و الجمهورية الإيرانية مصرة على المضي قدما في بناء قوتها العسكرية الضخمة ، و بلورة برنامجها النووي " السلمي " ، و لن تقبل بأي حل يحد من تطلعاتها المشروعة إلى زعامة إقليمية إلى جانب إسرائيل و تركيا ، في غياب مخجل و مخزي للدول العربية " الكبرى " و نخص بالذكر " الكيانات " العربية التي امتلأت خزائنها بملايير الدولارات بفضل ارتفاع أسعار النفط و الغاز. إن أي مبتدئ في التعاطي مع القضايا السياسية الدولية يدرك عن يقين أن هذا الكم الهائل من الأسلحة " الذكية " والغبية التي يتهافت عليها النفطيون العرب ليست للاستعمال ضد أية جهة أجنبية ، بقد ما أنها شكل من أشكال " الطوابع البريدية " التي يولع بجمعها " الحكام بأمر الله " ، ضد رغبة الشعوب العربية التي طفقت تخرج من عنق الزجاجة ، و تكسر جدران الصمت المخيف ، و تعمل على ترحيل بعض " الزعماء " إلى مزبلة التاريخ ! بل حتى لو افترضنا جدلا أن الأنظمة العربية الحالية يمكن أن توظف هذه الترسانة الجهنمية ، فسيكون الأمر بين " الدول " عينها ، أو ضد الشعب العربي الأعزل ، فنحن العرب خبراء في الاقتتال الداخلي و التدمير الذاتي ! 3 – و بناء على ما سبق ، و على الرغم من قتامة الصورة أعلاه و هول اللحظة العصيبة ، فإن منطق الأشياء يحدو بنا إلى الزعم أن الحرب على إيران في هذه الظرفية العالمية المفصلية غير واردة لأسباب و محددات راجحة ، أبرزها أن الولاياتالمتحدةالأمريكية غير مستعدة لخوض حرب طاحنة و طويلة الأمد و غير محسوبة العواقب ، فالمعروف أن أمريكا استنزفت عسكريا و اقتصاديا واجتماعيا في مواجهات إن لم تكن خاسرة فهي غير مربحة في أفغانستان و العراق .. كما أن إيران في أوج جهوزينها العسكرية النوعية ، على عكس ما كان عليه الأمر بالنسبة لعراق صدام حسين ، حيث تم تدمير مختلف تجهيزاته العسكرية ، و تطويق البلد عبر حصار اقتصادي غير مسبوق في التاريخ البشري . تدرك أمريكا إذن و حليفتها إسرائيل أن الحرب على إيران ليست نزهة أو جولة في الربوع الفارسية الحافلة بعبق التاريخ الحضاري . إنني لا أدافع عن أي محور سياسي عالمي و ليست لي أية مصلحة في ذلك ! و لكن انتهاج الموضوعية و العقلانية يستلزم الاعتراف ببعض " الحقائق " التي لا تتطابق و أفق انتظاراتنا . إن الحرب قائمة ، بيد أنها على العرب ، الذين اغتنوا " أكثر من اللازم " ، مما يجعل الولاياتالمتحدةالأمريكية و الدول الغربية تفكر بالقوة و الفعل في " استرجاع " أموالها ، و اصطياد القناطير المقنطرة المكدسة في خزائن " مدن الملح " ، من خلال تسخين الأجواء و شحنها بالمخاوف المفتعلة ، لحث " الأعراب " للخوض في صفقات فاقدة الجدوى و الوظيفة : اقتناء أسلحة متجاوزة و بأثمنة غير مبررة ، كل ذلك من أجل تجفيف " الينابيع " العربية ، و إيجاد مخرج للأزمة المالية العالمية ، أما إيران فيمكن أن تبحث – بفضل دهائها الماكر و تجاربها الضاربة في عمق التاريخ ، و براجماتيتها المألوفة – عن أخف الضررين ، و تعقد اتفاقات استراتيجية " خاصة " حيث لا غالب و لا مغلوب ؛ فالأقوياء ليسوا أغبياء !! باحث في قضايا الفكر و السياسة [email protected]