المعارضات أنواع ، تتعدد و تختلف باختلاف أهلها ، والحاملين للوائها ، وأبخسها و أدناها مايمكن نعته بمعارضة بلا موضوع ، معارضة بلا أفق حقيقي ، ولا مضمون جدير بالاعتبار ، معارضة تميل إلى البحث عن التعويض ، بالمعنى النفسي للكلمة ، التعويض عن الفراغ الحاصل في المضمون ، وفي المشروع ، وفي البدائل ، وفي قوة الاقتراح ، وفي نجاعته . ولهدا النوع من المعارضة سمات تميزها ، وتفاصيل تحددها ، أشير منها إلى مايلي :
1- عنف الخطاب: ودلك بالميل الشديد إلى الحدة في مواجهة الخصم ، أو المنافس السياسي ، والحرص على اختيار الألفاظ القاسية ، والمعاني المسيئة ، ليس فقط إلى برامج المعني بالأمر ، بل وأيضا إلى شخصه الرمزي ، تمهيدا للإجهاز عليه ، والقضاء عليه كلية ، اعتمادا على قاموس بلاغي حربي يحتفل بألوان من الكلمات النابية ، و غير اللا ئقة . 2- سوء قراءة النوايا : ودلك بالميل الواضح ، أو الخفي إلى تبخيس كلام الخصم ، أو المنافس السياسي والسخرية الظاهرة و الباطنة من برامجه ، وآماله ، وطموحاته ، المعلنة ، والحكم عليه ابتداء بالفشل و الخسران، استنادا إلى أحكام قيمة جاهزة ، يتم تداولها و ترويجها حتى قبل أن يباشر المعني بالأمر مهامه بشكل رسمي .
3- التركيز على الأشكال : ودلك بالمبالغة في تتبع ، وملاحظة المظهر الخارجي للمنافس السياسي ، أو المعني بالنقد و المعارضة ، حركاته ، مشيته ، طريقة جلوسه ، وسائل تنقله ، أكلته المفضلة ، لباسه ، ربطة عنقه ، بدلته ، نصاعة أحذيته ، و الانطلاق من كل دلك لبناء و تسويغ أحكا م قيمة سلبية في مجملها . 4- تمني الفشل و انتظار الكبوة : وهدا حال من يخاف على مصالح محض شخصية ، ويتصور اعتمادا على حدسه الأناني ، أن علاقاته ، وامتيازاته ، واختراقاته ، أصبحت مهددة ، وهي عدته ، وسبب وجوده ولدلك لايرى حلا ، إلا بالعمل من خلف ، وبكل الوسائل الممكنة ، والمتاحة ، وغير الواضحة ، لإفشال من يعتقدهم خصوما ، أو يحسبهم كذلك ، وان لم يفلح فلا أقل من العمل على إنهاكهم ، وعرقلة مساعيهم ، وفي أسوء الأحوال التأثير على سرعة انجازهم ، وتأجيل بعض أشغالهم ، أو جلها ، طمعا في ربح المزيد من الوقت . هده ألوان من المعارضة ، ولها نظائر كثيرة لو أردنا تتبعها ، معارضة لا موضوع لها ، أو موضوعها هو ذاتها ، هو أناها ، ليس إلا . هده الأنواع من المعارضات موجودة عندنا ، بنسب متفاوتة ، وبدرجات متباينة. إنها مضيعة مؤسفة لجزء من زمننا السياسي ، واختراقات غير شريفة لجدار الأمل ، والشرعية عندنا . وما هكذا تكون المعارضة . إن مهمة المعارضة ، هي ، أن تحمل الحاكمين ، كيفما كان لونهم ، على بدل أقصى الجهود من أجل تثبيت ماتحصل من مكتسبات ، في مختلف الميادين ، مع العمل في نفس الآن على تحصيل مكتسبات أخرى مطلوبة ، وضرورية لاستمرار الحياة ، وتحسين الخدمات ، ومعالجة إلا شكا لات المستعصية . المعارضة قوة اقتراحية ، جدية ، و صادقة ، تقدم البدائل ، و تكون مستعدة ، و على أهبة ، وفي أية لحظة لتلبية نداء الوطن ، في حالة فشل القائمين بالشأن ، وإعلان إخفاقهم في القيام بالمهام المنوطة بهم، و في التصدي لمطا لب المواطنين .