في تدوينة مثيرة جدا، كشف النائب البرلماني السابق، عن حزب الاستقلال، السيد عادل تشيكيطو، جملة من التفاصيل الساخنة، المرتبطة بالجدل القائم حول " معاشات البرلمانيين "، حيث قال بداية التدوينة : " آثرت عدم الحديث عن معاشات البرلمانيين لأنني معني بها بشكل مباشر كما باقي البرلمانيات والبرلمانيين الذين انتهت ولايتهم سنة 2016 " قبل أن يضيف : " غير أنه وبعد اطلاعي على مضمون الجلبة التي أحدثها اجتماع الأمس، و كذا المغالطات التي تم التسويق لها عن قصد، بهذا الفضاء الأزرق، وجب علي، استجلاء للحقيقة، و بحكم تمكني من هذا الملف أن أوضح النقط التالية : أولا : أستغرب للحملة الممنهجة ضد الأخ نور الدين مضيان، و الذي لم يعبر إلا عن وجهة نظره و عن موقف الفريق الاستقلالي، وهو رأي قابل للنقاش، الجاد دون تجريح أو سب أو استهداف لشخصه، لغايات سياسوية مصلحاتية مقيتة، ثم إن كلمة الصديق مضيان قد أخرجت عن سياقها و استعمل البعض، جمل مفصولة عن معناها لتأليب الرأي العام لغايات تخدم أجندات من لهم المصلحة في تصفية هذا الملف و بالتالي التستر على فضيحة إفلاس صندوق المعاشات.
ثانيا: إن الدفاع عن مصالح الشعب و الوقوف إلى جانبه ومناصرة قضاياها كل لا يتجزء، و لأن ذاكرة المغاربة ليست قاصرة و لا قصيرة، فإنه من المؤكد سيتذكرون أن من حمت آلة رقاقة هاتفهم المحمول للكتابة في موضوع معاشات البرلمانيين و تأليب الرأي العام ضد المؤسسة التشريعية، كانوا بالأمس القريب ضد حملة المقاطعة، ولم تتجرأ أحرفهم على التنديد بما تعرض له المواطنون في الريف و جرادة، و لم يفتحوا أفواههم يوما ضد الفساد الذي استشرى في البلاد، ولن يناهضوا أبدا تبديد الأموال العامة في مشاريع وهمية، ولم يقولوا كلمة في الاستنزاف الذي شمل خيرات البلاد من فوسفاط و ذهب و فضة و أسماك، ولم يشمروا على سواعدهم لمواجهة الريع الحقيقي المتجلي في كريمات الحافلات و سيارات الأجرة و الصيد في أعالي البحار، و لن يتحدثوا عن الأجور الضخمة و التعويضات التي يتلقاها مسؤولون نافذون من ميزانية الدولة، و لم يعبروا يوما عن رأيهم فيما يتعرض له الحقل الحقوقي من ردة ونكوص، ... أنا لا أعمم هنا إنما أقول إن البعض ممن توهموا الزعامة .
ثالثا: أعبر عن رفضي لمقترح تعديل قانون معاشات البرلمانيين الذي تقدمت به فرق الأغلبية و وافق عليه جميع رؤساء الفرق، لاعتبارات من جملتها:
* أن هذا المقترح من ناحية الشكل سيصطدم بحجرة دستورية تقضي بعدم رجعية القوانين، حيث أنه وبعد مصادقة البرلمان بغرفتيه عليه يفترض أن يطبق على جميع البرلمانيين المنتهية ولايتهم، و بما أن مضمون القانون الحالي ملزم للطرفين المتعاقدين أي الصندوق الوطني للتقاعد و التأمين و البرلمانيين، فإنه من الناحية الدستورية سيستحيل تنفيذه أمام ما يتضمنه الفصل السادس من الدستور و الذي يؤكد في فقرته الأخيرة مايلي: "تعتبر دستورية القواعد القانونية، وتراتبيتها، ووجوب نشرها، مبادئ ملزمة. ليس للقانون أثر رجعي".
* كان على البعض أن يوضحوا للرأي العام بكل وطنية و تجرد من النجومية البلونية، أن النقاش العقلاني حول معاشات البرلمانيين انصب في بداية الأمر حول مساهمة البرلمان كإدارة ب 2900 درهم تضاف إلى مساهمة مماثلة لكل برلماني، وهو ما حذا الغيورين الحقيقيين على المال العام بالدعوة إلى تعديل قانوني من شأنه أن يضع حدا لمساهمة البرلمان و أن يتحمل البرلماني وحده عملية الاشتراك الشهري.
* تحديد معيار 65 سنة كأجل لبداية صرف معاش البرلماني، فيه كثير من الانتهازية و قدر من الرغبة في تحوير النقاش الدائر حول معاشات البرلمانيين، فالفرق البرلمانية التي تقدمت بالمقترح حاولت تضليل الرأي العام من خلال اعتمادها لهذا التعديل، وتعمدت دغدغة مشاعر المغاربة بسنه، حتى توهمهم أنها استجابت لمطلبهم الذي استنكر حصول برلمانيين لم يتجاوز عمرهم الثلاثين على تقاعد مريح في مقابل ذلك لا يتعدى تقاعد العسكري الف درهم ، والحقيقة أن جل من تقدموا بهذا المقترح قد اقتربوا من السن المحدد في التعديل، بمعنى أدق يلخص المغزى من هذه النقطة، هو أن هذا التعديل حق أريد به باطل.
رابعا: لا شك أن جلنا يتذكر أن الحملة التي انطلقت حول معاشات البرلمانيين قد اشتعلت أولى شراراتها سنة 2012، وفي تلك الفترة بالضبط كنا نعي أن بعضا من المحركين لها، لم تكن نيتهم سليمة أبدا فمع دنو نهاية الولاية التشريعية السابقة انبرت الحقيقية ساطعة لتؤكد أن البعض منهم زعماء أحزاب لهم مصالح مباشرة مع صندوق الإيداع و التدبير، وقد نجحوا مع الأسف في استقطاب ثلة من المناضلين الشرفاء و مدوهم بمعطيات مغلوطة ليعززوا بها دفوعاتهم، و اتضح ايضا مع مرور الوقت أن تلك الحملة كان الغرض منها أن يصفى الصندوق الوطني للتقاعد و التأمين التابع ل CDG حتى لا تتم محاسبته حول مآل الاشتراكات والمساهمات التي يتلقاها شهريا.
خامسا: يبدو أن المستفيد الأول ولحد الآن من الهزائم التي مني بها البرلمان المغربي هي إدارة صندوق الإيداع و التدبير، و أنها منذ بداية الحملة كانت وما زالت متحكمة في خيوط اللعبة و قد استعملت في ذلك خبراء في التضليل الإعلامي، نجحوا في عدم تقديم المعلومات كاملة للرأي العام، و استأسدوا في تزوير الحقائق بشكل مدروس ومنهجي، وغيروا المفاهيم، بهدف تحويل نقطة الاستهداف من الصندوق الوطني للتقاعد و التأمين نحو البرلمان و البرلمانيين، وكان الغرض أيضا و أساسا أن لا ينصب الرأي العام في نقاش محاسباتي مع إدارة الإيداع و التدبير، و يواجهها بأسئلة قد تقطع معها الرقاب من قبيل: أين ذهبت اشتراكات البرلمانيين الشهرية ؟؟؟! ما مآل الاستثمارات التي يفترض أن ينشئها الصندوق بتمويل من الاشتراكات المتحصل عليها من قبل البرلمانيين ؟؟!
سادسا و أخيرا : إنني لا أرى إصلاحا يمكنه أن يخرج هذه القضية من البركة الآسنة التي أغرقت فيها، غير التصفية، لكن قبل ذلك يجب محاسبة المسؤولين عن تدبير هذا الملف كيف ما كانت مراتبهم و مواقعهم .