لم يكن التاريخ الذي درسناه عن الإستقلال دقيقا كفاية ليعطينا حيثيات و تفاصيل هذا الطلاق الرجعي التي ظلت حبيسة السرية لا يعرفها إلا من خاض المفاوضات مع "المستخرب" ، فمنهم من قضى نحبه آخذا مع السر ، و منهم من ينتظر كاتما سره لا يستطيع كشفه . و مع توالي السنين تكشف المستور واتضح بالملموس أن ماما فرنسا جمعت جنودها و عتادها و رحلت لكنها عوضتهم برجال أنيقين يرتدون بذلات و ربطات عنق جميلة ، لطفون و لينو الجانب لكنهم أكثر شراسة و خبثا . استبدلت فرنسا الثكنات بالشركات فصار الوطن حديقة خلفية للإقتصاد الفرنسي بعدما كان محمية عسكرية ، و نصَّبت من بني جلدتنا خداما أوفياء لها يحرسون مصالحها و يرعون عرضها في غيابها . حين اضطر رئيس شركة دانون إلى القدوم بنفسه من أجل فك حصار المقاطعة عن شركته ، فقد جاء و من خلفه عتاد ماما فرنسا السياسي الذي لا يمكن لأذنابها في الداخل تجاهله و إلا غضبت عليهم و سحبت عنهم دعمها و رضاها . نعم يجب إرضاء السيد الرئيس و لو على حساب الشعب فهم يعرفون أن في الدول المتخلفة لا قيمة لصوت الشعب و لا لرأيه و أن المسؤول هو الآمر الناهي بلا رقيب أو حسيب . إنهم لا يتصورون ( فرنسا و أذنابها )أن شعب دولة متخلفة يمكنه أن يقرر شيئا و ينفذه دون خوف من الداخلية و زبانيتها.. إنهم لا يتصورون أننا نعرف شيئا اسمه الرفض و العصيان الهادئ .. إنهم لا يتصورون أن بإمكاننا ضربهم في مقتل و في نقطة ضعفهم ، المال و الأعمال. بالرجوع إلى نقطة البداية لابد أن نعرج على مشروع TGV الذي منحه المغرب لحاميته السابقة كي ينقذ الشركة الأم من إفلاس محتمل أو اندماج مهين مع شركة سيمانس الألمانية ، مشروع يقترض المغرب من أجله و بفوائد عالية كي نفك ضائقة شركة أجنبية و يرضى عنا حكام الإليزيه ، في المقابل نرهن أجيالا أخري و نغرق الوطن في مزيد من القروض .
تخيلوا معي بلدا لا يجد مرضاه أسرَّة في أشباه مستشفيات و يتكدس فيه التلاميذ خمسين في الفصل و يعاني شبابه العطالة ، يأتي مسؤولوه بمشروع لن يكون له نفع مباشر على المواطن البسيط بقدر ما ستستفيد منه الماما فرنسا ، ناهيك عن احتكار أبناكها للسوق المالية و وقوفها حجر عثرة أمام انطلاق بنك إسلامي حقيقي فضلا عن العديد من الشركات التي تستغل انهزامية مسؤولينا و عدم التزامهم بالقوانين الخاصة بالتشغيل ...و ماذاك إلا فيض من غيض . دمتم مقاطعين .