إذن يجب تحديد سقف زمني لمحاولة الإصلاح، وهذا للنظام، لكن ومن باب أولى،، ل"الأحزاب السياسية" التي تمده بالمشروعية، ويستعملها في الحكم مقابل فتات.. ومتى تيقنت أن الأمر مجرد استدراج واستهلاك للوقت، يجب عليها الانسحاب،، وتعرية المشهد.. في هذا السياق -الذي حُدد في بداية نشر هذا الملف-، يلاحظ أن الحديث هذه الأيام هو عن الانتخابات التي تأخذ حيزا مهما من وقت "المنتديات" المنظمة أو العفوية، ذات الطابع الحواري الثنائي التناظري، أو شكل الموائد والندوات، بل وحتى التحاضر والإلقاءات،،، بوصفها فاكهة الموسم، وموضة الآن، وحدث الساعة.. وربما يكون الأمر عاديا، بما أنّا لسنا بدعا من الناس الذين يخوضون في مثل هذه المواضيع بمثل هذه الكثافة وهذه الحدة في مثل هذه الأوقات.. بل إن نحن إلا تبّع ومستهلكون لمخرجات الحضارة البشرية.. المفارقة أن الخائضين صنفان: صنف نمثلهم نحن، وهم الذين أود التحدث بشأنهم، وصنف آخر يستعمل الانتخابات كآلية ضرورية لإفراز من يتقلد مناصب مخولة لقيادة المجتمع وتدبير شأنه العام، في إطار تعاقد واضح المعالم فيما يخص البنود، والأطراف، والحقوق، والواجبات، وآليات الرقابة والمحاسبة، وأمد العقد... وهم -على مستوى السياسة الداخلية- يخضعون لمعظم تلك المحددات، ويلتزمون بها، ويحاسبون عليها،، لدرجة أن الانتخابات الموالية تكون بمثابة محاكمة شعبية فعلية، فعالة، عادلة، مباشرة،، ومنسجمة مع الاتجاه العام لحال البلد خلال فترة الانتداب: تجديد العهد في حالة الازدهار، و"اللفظ" في حالة الانحدار.. بل إنه في كثير من الأحيان تعبر توقعات القوى الحية واستطلاعات الرأي عن النتيجة القبلية للاقتراع، لوضوح الرؤية والالتزام بالتعاقد.. وطبعا هنا لا يكون الخوض في العملية هدرا، وإن استنفذ وقتا واستهلك جهدا، بما أنه توضيح ضروري لاتخاذ خيار على بينة، وتقعيد لبنود العقود المستقبلية المحتملة بين الشعب والمتنافسين، ومحاسبة جماهيرية علنية مفتوحة للمنتهية ولايتهم.. على المستوى النظري، ترتبط الانتخابات بالديمقراطية ارتباطا وثيقا.. وإذا كانت الديمقراطية تثير بعض الجدل بسبب بعض الاختلاف حول تعدد أوجهها، وكذا الارتباك الذي يطال فهم أو تحديد ماهيتها، وأيضا الانقسام حول اعتماد فلسفتها وروحها، أو فقط آلياتها الإجرائية(وسنعود لهذا الموضوع في ملف قادم إن شاء الله)، فإن "قرينتها"، أو واسطة تنزيل أهم وجه لها، أي الانتخابات، لا يكتنفها نفس القدر من اللغط، وإن كانت لا تخلو بدورها من الشوائب، ولا تسلم من المساءلة حول مدى تحقيقها للمأمول، خصوصا مع اعتمادها المفرط ،بل الكلي، على المال، كركيزة تكاد تكون الوحيدة، والغياب شبه التام لأية ركيزة قيمية(طبعا لا أتحدث هنا عن "المال الحرام" المتفشي في "انتخابات" "الديمقراطيات الصورية"، وإنما أقصد ذلك التوظيف المالي "الممأسس"،، أو المفروض واقعيا، كالمال المخصص لدعم الأحزاب، أو ذاك الموجه للحملات الانتخابية، أو تصدر الأباطرة/الرأسماليين من رجال الأعمال وغيرهم للانتخابات حتى لا تكاد تجد بين المترشحين "فقيرا"...، مع أن الحملة، في يوم الناس هذا، يمكن أن يقوم بها الشخص لنفسه بمفرده، ومن غرفته، وبصفر تكلفة.. بل إن الناس يكاد يعرف بعضهم بعضا مسبقا، ولا ينقص سوى معرفة من ترشح منهم، وهذا التعريف متاح بجملة في الانترنيت(...) وفي التلفاز... وفي كل الأحوال، فإن الإعلان عن الترشح، وتقديم البرنامج، لا يمكن أن يتطلب معشار ما يخصص له من أموال..).. لكن، وبقوة الواقع، دعنا نبقى في الشق الإجرائي السائد، وفي الشأن المحلي، ذلك أنه، ورغم ما تقدم من ملاحظات، فإن الانتخابات تبقى أهم آلية عملية مجسدة للديمقراطية بمعناها التداولي/التشاركي، لتدبير الخلاف بين أبناء المجموعة البشرية الملزَمة بالقرار/المصير الواحد.. وبهذا التحديد تعتبر أهم لبنات العملية السياسية، بما تشكل أداة لانتداب المفوضين لتسيير شؤون المجتمع.. وهذا على المستوى النظري على الأقل.. أما على المستوى الواقعي، وفي هذه البقعة الجغرافية بالضبط، فإن التأمل في الحصيلة المتراكمة ل"استعمال" الآلية، وباستقراء كرونولوجي تاريخي بسيط وخاطف، يؤدي بالضرورة، وفي لمح البصر، إلى تشخيص الخلل الهيكلي المخيم على العملية برمتها!!!.. فإذا عرفنا أن جل "الأحزاب" قد شاركت في هذه "اللعبة"، وهذا على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان، والوضع العام في أسفل سافلين، فإن السؤال عن موضع أو مصدر هذا الخلل، وكذا مكمن العلاج، يصبح ضروريا،، وملحا.. هل الخلل في الأحزاب بهياكلها ومبادئها و"رجالاتها" وبرامجها ومؤسساتها وقوانينها...؟ وفي هذه الحالة لا عزاء لنا، ولا أمل يرجى.. من جهة لأن كل الأحزاب جُربت، ومن جهة أخرى لأن محددات ومتغيرات كل تلك الأحزاب لا زالت جامدة "مصنمّة" كما "وُلدت".. وعليه، لا مبرر لاستمرار العملية ما لم يتغير المتدخلون، لأن نفس المقدمات تؤدي بالضرورة إلى نفس النتائج.. ثم إنه يمكن -إنصافا،، وإفراطا في حسن النية- أن نفترض أنه لا يمكن أن تجتمع كل تلك الأحزاب، بمختلف مشاربها، وقياداتها وتوجهاتها، وتاريخها، وظروف تأسيسها...، لا يمكن أن "تجتمع على ضلال".. بل يجب أن يكون هناك عامل واحد ثابت، هو الذي يفرض هذه النمطية في الفساد، لأن المنطق يقتضي أن تَعدد الفاعلين وتَغيرهم لن يصدر عنهم هذا التطابق والاستقرار في النتيجة.. في المقابل، يوحي ثبات الأداء والنتيجة بوحدانية الفاعل الحقيقي، القار، الواحد،، وإن تعددت الرموز أو الصور!!!.. أم أن الخلل في البنية السياسية برمتها، ومن حيث المبدأ.. حيث لا تشكل هذه "اللعبة" غير لعبة للتسلية، غاية ما تطمح إليه، بالإضافة إلى خلق شماعة لتعليق الفشل أو الخطأ عند الاقتضاء، هو إضفاء الشرعية على نظام هجين لا يُعرف أعلاه من سافله.. أي ممارسة تدليس وتضليل على السذج المغفلين، وأيضا المتواطئين الرسميين المحليين والدوليين، وذلك بما تفرضه وتضمنه هذه اللعبة من وصاية وتوجيه وتضييق رسمي/قانوني وممارساتي/واقعي..
وبالنسبة لمن يرى هذا الرأي، فالحل أو العلاج بطبيعة عنده هو المقاطعة،، وهو ما سنفصله، بإذن الله، في المقالين المقبلين..