عندما نتحدث عن الانتخابات والمشاركة والمقاطعة، لا يمكننا تجاهل مواقف "الأحزاب المعتبرة"، أي ذات مصداقية أو شرعية معينة، كالانسجام المرجعي مع غالبية الشعب، أو الإرث التاريخي، أو التغلغل المجتمعي بمستوى مقبول.. وفي هذا الصدد لا يمكن تجاوز موقف الاشتراكيين والإسلاميين، وإن كنت سأكتفي بالحديث هنا -لأسباب(...)- عن الإسلاميين(المشاركين) فقط، أي عن حزب "العدالة والتنمية". إن أصحابنا "العداليين" هؤلاء ما برحوا يجيشون من أجل المشاركة الانتخابية قصد إزاحة أو تغيير محنطات المنظومة عبر "الاكتساح الانتخابي"، والظفر بالأغلبية المطلقة الممكّنة من "احتلال" البرلمان، وبالتالي تشكيل الحكومة،، ومن ثم تغيير كل ثابت نصا كان أو شخصا، وإحداث "ثورة راديكالية بيضاء" بصفر تكلفة،، وكأن المهندسين والطباخين والمكولسين مكبلون، أو نائمون، أو أشباح، أو ملائكة.. وهذا وإن كان مؤشرا على أن الناس يعيشون ضحالة وسذاجة طفولية حالمة، أو على الأقل حالة من غياب الانسجام ووحدة النسق ووضوح الرؤية، ويسيطر عليهم التذبذب والتخبط في التموقف، كما يمكن أن يستشف ذلك من مقارنة مواقفهم في القضايا المحلية بنظيرتها في القضايا الدولية، حيث يتبنى الناس موقف حماس، وليس فتح، في مقاربة القضية الفلسطينية مثلا،، مع أن حماس تتبنى الموقف "الراديكالي" الذي لا يعوّل على "القانون الدولي" الجاري به العمل، فيما أن فتح لم تصرح أنها تنازلت عن الحقوق الفلسطينية، وإنما فقط تتبع النهج السياسي والسبل "الدستورية الدولية" من أجل الحصول على تلك الحقوق، وفقا للسيرورة الدولية المتاحة والممكنة، في إطار الواقعية والتدرج والتعامل مع المؤسسات الدولية القائمة المفروضة!!!.. بل الخبل أنهم يبررون هذا الانحياز لصف حماس بأن فتح قد انخرطت في "اللعب الدولية". ذلك أن "الأممالمتحدة" التي "أسست" "إسرائيل" لا يُتوقع منها أن تعطي قطميرا للفلسطينيين.. ولو كان يرجى منها خير لنفذت ولو القرارات التي صوتت عليها هي، أو منظماتها الفرعية أو الموازية.. وهو مبرر معقول، لأن مؤسسات الأممالمتحدة "مبلقنة"، وما نجا منها فإن قراراتها لا تساوي الحبر الذي تكتب به.. لكن "المؤسسات الشعبية" المحلية بدورها ليست أحسن حالا، بحيث لا قرارات لها، وما أصدرته لا تساوي الأوراق التي كتبت عليها.. بل إن الحكومة المنبثقة عنها لا تستطيع شراء "كلينكس" لنفسها دون إذن.. وعليه يكون القياس والمقارنة قائميْن: من يراهن على المشاركة السياسية من داخل المؤسسات القائمة من أجل تغيير وإصلاح النظام من الداخل، كمن يراهن على إصلاح النظام العالمي في ظل "الفيتو"، أو على الأممالمتحدة و"القانون الدولي" و"المؤسسات الدولية" من أجل استرجاع فلسطين!!!..
الخلاصة أن هذه الازدواجية إذا لم تكن تخبطا، لا تعدو أن تكون مزايدة بالتخندق "الراديكالي" في قضايا "البعيد"،، والتواري خلف المواقف "القنفذية" في قضايا البلاد.. لأن الأمر تحكمه نفس المبادئ ونفس المسارات: تتّبع المؤسسات مع "الاتحاد الدستوري" هنا،، ومع فتح والأممالمتحدة هناك، أو تتبع "الراديكالي" مع حماس هناك،، ومع المقاطعين الكافرين بالمسار هنا.. فالموقف حزمة واحدة، ما دامت المداخل والمخارج متطابقة.. اللهم إذا كان الأمر مجرد لعب ولهو وتجسير لأحدهم..