خديجة أنجار _ صحفية متدربة بين وجوه شاحبة وأصوات متعالية يسارع مجموعة من الشباب إلى جمع سلعتهم من الأرصفة بسبب حملة تحرير الملك العمومي، التي تشنها السلطات المحلية بمدينة بني ملال، التي تعيش على وقع ارتفاع أعداد الباعة الجائلين. شباب يتحدرون من مناطق نائية عجلت الأوضاع المزرية برحيلهم من (الدواوير) باتجاه المدينة، هاجسهم الوحيد انتشال أسرهم من قاع الفقر المدقع وضمان حياة كريمة أمام صراع مع غلاء المعيشة. وللقضاء على شبح البطالة خلق الشباب رواجا اقتصاديا عشوائيا يتمثل في عرض بضائع صينية واسبانية مهربة من شمال البلاد تضم مواد مواد تجميل، ملابس، أغطية، أواني، أحذية، على أرصفة المدينة. عودة مؤلمة أحمد 36 عاما مهاجر مغربي عائد من الديار الليبية بعد 8 سنوات أمضها بين جدران طرابلس يطلي واجهاتها بالصباغة، عودة حتمتها تردي الأوضاع الأمنية وتفشي الفوضى وانتشار المليشيات المسلحة في بداية( الربيع العربي) بليبيا. فارا من جحيم ما أسماه ب”ثورة النفاق والشقاق”، يقول أحمد في حديث مع جريدة "العمق"، "حجزت في تذكرة سفر لأول طائرة متوجهة إلى مطار محمد الخامس بالدارالبيضاء، التي وصلت آنذاك يوم الخميس 7 مارس من عام 2011". ويقول المتحدث، "مكثت في البيت لمدة 6 أشهر كانت بمثابة لملمة للأنفاس وأخذ قسط من الراحة قبل البحت عن شغل يضمن لي قوتي اليومي ويغنيني عن سؤال الأهل والإخوة..". “اشتغلت في مجال الصباغة والبناء، عمل مؤقت امتهنه كل ما أتيحت لي الفرصة”، يضيف أحمد الذي لا يكفيه أجره اليومي لسد أدنى الحاجيات الضرورية للحياة ، ونظرا لهذه الظروف القاهرة “امتهنت بيع الجوارب والاكسيسوارات النسائية ومستحضرات تجميل مهربة من المعبر الحدودي باب مليلية بني أنصار”. صرخة أمل “ريكلام ريكلام خوذي أختي غير ب85 درهم”، هكذا يثير سفيان (26 عام)، انتباه المارة، عفويته وحسن استقبال الزبناء تميزه عن بقية الباعة الجائلين بإتقانه فن التعامل اللبق مع النساء وذلك بتقديم نصائح لاختيار أخر صيحات الموضة. ملابس صيفية ألوانها زاهية يتم عرضها كل مساء وسط صراخ لأصوات باعة جائلين يحاولون بكل طريقة بيع بضاعتهم في الدقائق الأخيرة من كل ليلة. “أجبرت على مغادرة الدراسة مبكرا نتيجة الفقر الشديد الذي كانت تعاني منه أسرتي واشتغلت كمساعد تاجر باجر زهيد في احد المحالات التجارية بالمدينة القديمة “، يقول سفيان ل"العمق". ويضيف بنبرة متفائلة “عملت طوال 10 سنوات تمكنت من خلالها توفير رأسمال متواضع، يؤهلني لمزاولة تجارة مستقلة، أقتني ملابس بالجملة من الدارالبيضاء لأعيد بيعها بالتقسيط في عربة أجول بها شوارع المدينة مرة في شارع الحنصالي ومرة في الصفا”. أرصفة فضية أمطار رعدية تبلل قطراتها أرصفة الشوارع، فيما ينعكس لمعان حلي الفضة وبريقها على المكان، تقف نساء للاستفسار حول ثمنها، يجيبهم شاب في مقتبل العمر، ملامح وجهه ولكنة لهجته توحي بأن أصوله من قرية أيت حمر بضواحي مدينة أسفي، حيث أجبرت الأسرة على مغادرتها إلى مدينة بني ملال هربا من الموت البطيء نتيجة توالي سنوات الجفاف. بجانب الرصيف تقف سيارة فارهة تعود ملكيتها لسيدة جميلة، مظهرها الأنيق وساعتها المرصعة بأحجار الألماس وحقيبتها تحيل على مكانتها الاجتماعية نخبة النخبة، تخطو بخطوات متثاقلة نحو صاحبنا بائع الفضة الذي يقف جوار محل صياغة مكانه المعتاد مند سنوات. وعود رسمية أكد مجموعة من الباعة الجائلين في حديث مع جريدة "العمق" أن المجلس البلدي قدم وعودا بإنشاء أسواق نموذجية خاصة بهم، لكن لحد الساعة لم يتحقق شيء يذكر من تلك الوعود. وحاول موقع العمق الاتصال برئيس المجلس البلدي أحمد شدى إلا أنه تعذر ذلك. من جهتها دعت جمعية ائتلاف الكرامة لحقوق الإنسان ببني ملال الباعة الجائلين إلى التحرك وإيجاد حل لوضعيتهم، مشيرة إلى أنها آزرتهم منذ انطلاق سلسلة الاحتجاجات التي يخوضونها. وشددت على ضرورة الاستجابة إلى مطالبهم المشروعة، وذلك بتخصيص سويقة نموذجية على غرار بائعي الخضر الذين سيتم ترحيلهم فور انتهاء بناء سويقة نموذجية قرب “مدرسة البنات”.