عندما تخاف فرنسا.. تُكثر من التصريحات وتعود إلى حضن المغرب!    عين على الانتخابات الجزئية بفاس وبنسليمان.. معارضة مشتتة وتنافس محموم    المغرب وفرنسا يوقعان على خارطة طريق للشراكة في مجالي الفلاحة والغابات    وزارة الفلاحة الإسبانية: صادراتنا إلى المغرب سجلت رقما تاريخيا خلال 2023    بسبب استمرار غيابه.. السلطات تمنح بودريقة سبعة أيام من أجل تبرير انقطاعه عن ممارسة مهامه بمقاطعة مرس السلطان    الحسيمة.. موظفو الجماعات الترابية يشلون الإدارات لثلاثة ايام    حموشي يتباحث بالدوحة مع مدير جهاز "أمن الدولة" القطري    كومنولث دومينيكا تجدد تأكيد دعمها للوحدة الترابية ولسيادة المغرب على كامل أراضيه بما في ذلك الصحراء المغربية    المؤتمر الوزاري الرابع لمبادرة تكييف الفلاحة الإفريقية مع التغيرات المناخية : إفريقيا لا تعبئ سوى 11.4 مليار دولار سنويا من أصل 580 مليارا تحتاجها للتمويل    الفلاحة المستدامة.. القرض الفلاحي للمغرب والوكالة الفرنسية للتنمية يوقعان اتفاقيتي قرض    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    بورصة الدار البيضاء : تداولات الافتتاح على وقع الانخفاض    أمل تيزنيت يستنكر الأخطاء التحكيمية التي ارتكبت في مباراته أمام جمعية المنصورية    التعاون القضائي في صلب مباحثات وزير العدل مع نظيريه الغيني والكونغولي    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    حنان حمودا تصدر طبعة ثانية لكتاب "الماء وصناعة المقدس: دراسة أنتروبولوجية لبنيات المجتمع الواحي بالمغرب"    دار الشعر بتطوان تحتفي ب "ليلة الملحون"    الراصد الوطني للنشر والقراءة في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    خالد آيت الطالب يترأس مراسيم تقديم التحليل الظرفي للأمراض غير السارية (صور)    المغرب وفرنسا يوقعان على خارطة طريق للشراكة في مجالي الفلاحة والغابات    الذهب ينخفض لأدنى مستوى في أكثر من أسبوعين مع انحسار مخاوف الشرق الأوسط    قضاء الاستئناف يرفع عقوبة رضا الطاوجني    بنموسى: الأزمة التي عاشتها المنظومة التعليمية شكّلت لنا فرصة للإصلاح    طنجة.. توقيف ثلاثة أشخاص بتهمة ترويج مخدر الكوكايين    شخص يهدد بالانتحار بتسلق عمود كهربائي    حرائق الغابات تجتاح عددا من مقاطعات كندا    بكين تنفي "كل المزاعم بتجسس صيني"    وزارة التربية الوطنية تشرع في عقد المجالس التأديبية للأساتذة الموقوفين وسط رفض نقابي لأي عقوبة في حقهم    أكادير.. الدورة الأولى لمهرجان "سوس كاسترو" الدولي لفنون الطهي ونجوم المطبخ من 25 إلى 28 أبريل الجاري    الموت يفجع زوج دنيا بطمة السابق    بعد أزمة نهضة بركان.. الاتحاد الدولي للمصارعة يعتمد خريطة المملكة في أقمصة المنتخب    العلاج بالحميات الغذائية الوسيلة الفعالة للشفاء من القولون العصبي    هذه هي الرياضات المناسبة إذا كنت تعاني من آلام الظهر    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و183 شهيدا منذ بدء الحرب    مفاجآت بالجملة تقرب "الكوديم" من اللقب وتنعش آمال أولمبيك خريبكة في العودة إلى دوري الأضواء    كوريا الشمالية تطلق عدة صواريخ باليستية قصيرة المدى باتجاه البحر الشرقي    القميص ‬البرتقالي ‬يمرغ ‬كبرياء ‬نظام ‬القوة ‬الضاربة ‬في ‬التراب‬    سلسلة زلازل تضرب تايوان أشدّها بقوة 6,3 درجات    فرنسي يبصق على مؤثرة مغربية محجبة قرب برج إيفل (فيديو)    اللي غادي لفرانسا لخميس وماشي لشي غراض مهم يؤجل رحلتو الجوية حتى الجمعة وها علاش    الاتحاد المصري يستدعي المغربي الشيبي    سباق النصر النسوي يطفىء شمعته ال 14 يوم الأحد المقبل وسط أجواء رياضية واحتفالية    الصين: مصرع 4 أشخاص اثر انهيار مسكن شرق البلد    بنما.. الاستثمار الأجنبي المباشر يتراجع بأزيد من 30 بالمائة منذ بداية العام    ماذا نعرف عن كتيبة "نيتسح يهودا" العسكرية الإسرائيلية المُهددة بعقوبات أمريكية؟    بطولة إيطاليا-كرة القدم.. "إنتر ميلان" يتوج بلقبه ال20    ادعاء نيويورك كيتهم ترامب بإفساد الانتخابات ديال 2016    هل يمكن لفيزياء الكم أن تقضي على الشيخوخة وأمراض السرطان؟        سعد لمجرد يكشف تفاصيل لقائه بجورج وسوف    أسامة العزوزي يسجل في مرمى روما    الأمثال العامية بتطوان... (579)    تقوى الآباء تأمين على الأبناء    وفاة الشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني عن 82 عاما    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    السعودية تعلن شروط أداء مناسك الحج لهذا العام    الأسبوع الوطني للتلقيح من 22 إلى 26 أبريل الجاري    الأمثال العامية بتطوان... (577)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



“مَدْرَسَةُ التَّكْوِينِ الْمِهَنِيِّ” وَالنَّمُوذَجُ التَّنْمَوِيُّ الْمَنْشُودُ
نشر في العمق المغربي يوم 02 - 09 - 2019

“النهوض بالتكوين المهني أصبح ضرورة ملحة، ليس فقط من أجل توفير فرص العمل، وإنما أيضا لتأهيل المغرب، لرفع تحديات التنافسية الاقتصادية، ومواكبة التطورات العالمية، في مختلف المجالات”.
(من الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 66 لثورة الملك والشعب).
————————————————————————————
مع اقتراب كل موسم دراسي جديد، تشتعل المنابر الإعلامية، والصالونات التربوية والفكرية، ومواقع التواصل الاجتماعي، بنقاشات وتحليلات تُعنى بتقييم مخرجات المنظومة التربوية، و البحث في عوائق النهوض بها، وتقديم مقترحات حول سبل الخروج بها من بوتقة الفشل، والتراجع، الذي تسجله التقييمات الدولية، التي لا زالت تضع التعليم الوطني في ذيل الترتيب العالمي لجودة التعليم، رغم المحاولات الاستثنائية لإصلاحه.
وقد اشتد أوارُ هذه النقاشات عقب الخطاب الملكي الأخير، الذي قدم تقييما غير مسبوق لدرجات الترقي في سلم التعليم الوطني، حينما اعتبر الحصول على البكالوريا أو الإجازة، ” ليس امتيازا، ولا يشكل سوى مرحلة في التعليم. وإنما الأهم هو الحصول على تكوين، يفتح آفاق الاندماج المهني، والاستقرار الاجتماعي”؛ أي تعليم يُواكَبُ بامتلاك ناصية مهارات شُغلية تمكن الطالب والمتعلم من الولوج السلس إلى سوق الشغل، والاستقلال الذاتي في مواجهة متطلبات الحياة. بدل الركون إلى مسار تدريسي جاف، يقف عند شحن المتعلم بمعطيات نظرية، تنتهي بشواهد بدون قيمة عملية/مهنية، تمكن من الولوج إلى سوق الشغل.
ولقد اشتد النقاش، كما العادة بعد كل خطاب ملكي، حول تفسير مضمون الخطاب، خصوصا في شقه الذي يدعو فيه إلى إعادة ترتيب أولويات المنظومة التربوية، في شقها المهني، لتصبح منظومة تؤسس لجيل جديد يسهم، مهنيا، في بناء الوطن.. جيل ينحو نحو امتلاك ناصية المهن، والمشاريع المدرة للدخل. وهو ما فهم منه بعض المتتبعين، أنه إشارة إلى توجيه بوصلة المنظومة التربوية إلى الاهتمام بالتكوين في شقه المهني، وإنعاش مراكز التكوين لتصبح ملاذا لآلاف المتمدرسين من التلاميذ والطلبة، في أفق خلق اكتفاء ذاتي وطني من اليد العاملة الرخيصة التي ستمثل الطبقة المتوسطة (البروليتاريا الجديدة) مستقبلا، والتي ستكون رهن إشارة الباطرونا (البرجوازية)، و طبقة العقلاء من منظري الاستراتيجيات، وفلسفات الإصلاح التربوي وسواه، وواضعي السياسات العمومية. وهي الطبقة التي ستتشكل، حسب رأيهم، من المحظوظين ممن سيواصلون تسلق سلاليم التعليم العالي والبحث العلمي، والتي ستصبح المنظرة لخرائط الطريق التي ستُوَجِّه بوصلة الدولة نحو ترسيخ نموذج تنموي جديد يتماشى مع السياسات العمومية، ويلبي احتياجات الوطن في حدودٍ مُتحكَّمٍ فيها !!.
بيد أن الخطاب الملكي، في جوهره، لم يقصد إلى هذه النظرة، كما لم يقصد إلى حصر دور المدرسة المغربية في تخريج جيش من الممتهنين للتكوين بمفهومه المهني الضيق، والذي ارتبط في أذهان الكثير من الناس بفئة من التلاميذ والطلبة الفاشلين دراسيا، حتى أضحى آخر ما يفكر فيه الطلبة والتلاميذ، بعد أن تُسَد أمامهم أبواب الجامعات، ويتعذر عليهم ولوجها بفعل التكرار والرسوب في الباكالوريا وسواها. كما أنه لم يقصد إلى محاربة الجامعة والدعوة إلى إغلاقها، كما جنح إلى ذلك بعض هواة التفكير فوق العادة، وإنما مقصود الخطاب تحويل الاهتمام إلى إنشاء جيل من القادرين على ولوج سوق الشغل بكفايات ومهارات مهنية، وليس بشواهد لتخصصات نظرية جافة. إلى جانب التمكن مما توفره المدرسة المغربية من كفايات لغوية، وعلمية، وفكرية، لا تجعل الطالب أو التلميذ يقف عند حدود التهام نظريات فلسفية أو اقتصادية أو سياسية/ قانونية جافة، وإنما يمتلك، إلى جانب هذا الزاد المعرفي النظري، كفايات مهنية تمكنه من ولوج سوق الشغل.
غير أن المسار التكويني المهني الحالي لا يُمَكِّن من اختراق عوالم التكوين إلا في حدود محتشمة جدا، تُخرج جيشا من اليد العاملة البسيطة بدون أفق علمي ومعرفي يمكنها من مناقشة قضايا التنمية، والنهوض، فضلا عن المشاركة في وضع استراتيجيات للنموذج التنموي المنشود، مما يدفع إلى حصر هذه المهام في نخبة خاصة، غالبا ما تكون متغربة، أو على مكاتب دراسات غربية تضع استراتيجيات تنموية على مهيع ما يرغب فيه المستعمر لمواصلة رهن الاقتصاد الوطني إلى أجنداته الامبريالية . وهو الأمر الذي تنبه له الملك في خطابه السامي حينما استبعد كل اعتقاد في رهن الإشراف على وضع هذا النموذج التنموي الجديد في أياد خارجية، حينما أكد على أن هذا النموذج سيكون ” نموذجا مغربيا- مغربيا خالصا” . !!
فلتحقيق هذه القفزة النوعية، وجعل الشباب الطامح، في صلب هذا النموذج التنموي الوطني؛ لا بد من إعادة النظر في آفاق التكوين المهني، الذي “أصبح ضرورة ملحة، ليس فقط من أجل توفير فرص العمل، وإنما أيضا لتأهيل المغرب، لرفع تحديات التنافسية الاقتصادية، ومواكبة التطورات العالمية، في مختلف المجالات”( من نص الخطاب الملكي). ولا يكون ذلك إلا بفتح مسارات مهنية جديدة ما بعد الإجازات المهنية، لتشمل الماتسر المهني، والدكتورة المهنية، مع فتح شعب جديدة، في تدبير المقاولات، وإنشاء المشاريع، مع طرح تحفيزات مهمة لولوج هذه المسارات، من قبيل إعطاء الأولوية للشواهد المهنية المحصل عليها لولوج سوق الشغل، وتقديم تحفيزات مادية (منح الاستحقاق) لمساعدة أبناء الأسر المعوزة، من المتفوقين دراسيا، للاستمرار في متابعة الدراسة المهنية (التكوين المهني العالي)، وتمكينها من التسهيلات اللازمة، لمواصلة دراستها.
كما لا بد من توفير مناخ استثمار تنافسي سليم يُمكِّن أصحاب الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة، من خريجي هذا التكوين من ولوج حلبة المنافسة، والابتكار في جو يسوده الوضوح، وتكافؤ الفرص بين كل المساهمين في خريطة الاستثمار الوطنية. ولن يكون ذلك متاحا، ومشجعا، إلا بإرادة سياسية قوية وحازمة تقطع مع المظاهر السلبية التي تُسَوِّد وجه التنافسية الاقتصادية، وعلى رأسها آفة الاحتكار التي تجعل أهم القطاعات المربحة تُحْتَكر من قبل أقلية من المستثمرين الكبار، وتقطع الطريق على المقاولات والشركات الصغيرة، بل تضع حواجز كثيرة أمامها مما يدفع بها إلى الانسحاب من السوق، مما يفوت آلاف مناصب الشغل، ويشرد آلاف العائلات. إذ ” الثابت عالميا، حسب التقرير الأخير للبنك الدولي، أن القسم الأكبر من فرص الشغل لا تحدثه الشركات الكبرى، ومتعددة الجنسيات، والأوراش الضخمة؛ بل تحدثه الشركات الشابة والناشئة، التي ترتكز أساسا على مبادرات خاصة تجمع بين الابتكار والطموح”.
إن الكرة الآن في مرمى الحكومة، التي ستتحمل مسؤولية تنزيل مضامين هذه الرؤية الملكية للنموذج التنموي الجديد، الذي ستشرف على وضع ملامحه الكبرى “اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي” التي أحدثها الملك، وكلفها بمهمة ثلاثية: تقويمية واستباقية واستشرافية، وذلك من خلال سن قوانين وتشريعات، ووضع رؤى واستراتيجيات قمينة برفع التحديين الآتيين:
الأول: تحدي النهوض بالمدرسة الوطنية لتلعب دورها في تكوين كفاءات مهنية من العيار الثقيل تساهم في تأهيل المغرب، عبر مواكبة التطورات العالمية، وولوج غمار تحدي التنافسية الاقتصادية، وهو الأمر الذي لا تتيحه الآفاق المحدودة للتكوين بشكله الحالي، كما لا تتيحه برامج التكوين الحالية التي تكتفي بتخريج جيش من محدودي الكفايات المهنية، لا يرقَوْن إلى أن يصيروا أعمدة تقيم أوَدَ الاقتصاد الوطني، فضلا عن أن تسهم في وضع الأفكار، والاستراتيجيات، والرؤى، لتأهيل المغرب، والنهوض به.
الثاني: تحدي توفير مناخ للتنافسية الحرة، وتشجيع الكفاءات الشابة، الطموحة والمبتكرة، لولوج عالم الاستثمار، والمنافسة الاقتصادية، في كل القطاعات الصناعية الوطنية، بدون استثناء، ومحاربة كل مظاهر الاحتكار، والفرملة، والإعاقة، و”باك صاحبي”، التي تعيق انطلاق المشاريع الاستثمارية الناشئة، وتجعل الاستفادة من مزايا السوق محتكرة على عوائل، وشركات، ومؤسسات متنفذة، تضع سياجا منيعا أمام كل دخيل لا تتوفر فيه شروط محددة، أغلبها تعجيزي، لا يمتلكها إلا خاصة الخاصة.
من أجل ذلك فالحكومة مطالبة ب:” التطبيق الجيد والكامل، للجهوية المتقدمة، ولميثاق اللاتمركز الإداري، (…)، التي ستمكن من الرفع من الاستثمار الترابي المنتج، ومن الدفع بالعدالة المجالية “. كما هي مطالبة ب:” بالانكباب على تصحيح الاختلالات الإدارية، وإيجاد الكفاءات المؤهلة، على المستوى الجهوي والمحلي، لرفع تحديات المرحلة الجديدة”. (من الخطاب الملكي).
فالمرحلة دقيقة جدا، وكل تلكؤ أو تهاون في اقتحام عقبة هذا الرهان الاستراتيجي المؤسس، سيؤدي الجميع ثمنه غاليا. لأننا ” قد بلغنا مرحلة لا تقبل التردد أو الأخطاء، ويجب أن نصل فيها إلى الحلول للمشاكل ، التي تعيق التنمية ببلادنا “. (الخطاب الملكي).
فهل ستنجح الحكومة في اقتحام عقبة هذين التحديين، وتقديم نموذج تنموي جديد، يتأسس على المنافسة الحرة، والمبتكرة، وينهض على أيدي شباب وشابات من خريجي “مدرسة التكوين المهني” بصيغتها الجديدة، مع القطع مع كل مظاهر الاحتكار والسلبية التي مثلت أحد أهم ملامح النموذج التنموي القائم، مما كرس الفوارق الاجتماعية، وراكم الثروات في أياد محدودة. حتى جعلت الملك يتساءل في خطبه عن مكان الثروة، و يستغرب عجزَ النموذج التنموي القائم عن الحد من الفوارق الاجتماعية، وحرمان غالبية المغاربة، خصوصا في القرى وهوامش المدن، من ثمار النمو؟.
هل سينجح هذا الرهان؟
هذا ما ستكشف عنه الشهور القليلة القابلة…
دمتم على وطن.. !!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.