بالنظر إلى ما فرضته جائحة كورونا، طرح موضوع الدخول المدرسي إشكالات حقيقية عبر العالم. وقد تقرر في دول كثيرة اعتماد التعليم عن بُعد، بشكل رسمي خلال كامل الموسم الدراسي الجديد، وتم اتخاذ ترتيبات مادية ولوجيستيكية مهمة لضمان حقوق كل التلاميذ في التعلم والتكوين. فيما اتخذت دول أخرى قرارا بإتاحة التعليم الحضوري بالمدارس مع اتخاذ تدابير صارمة لفرض التباعد الجسدي بين التلاميذ وتعزيز شروط الوقاية. أما في الدول التي لم تتأكد من أنها تستطيع إنجاح التعليم عن بُعد، أو تضمن شروط حفظ سلامة الأطفال، فقد تقرر تأجيل انطلاق الموسم الدراسي لمدة معينة. من المؤكد أن كل الاختيارات تحتمل نقط قوة ونقط ضعف، ولايبدو أن شيئا سيضمن استمرار السير على نفس النهج من بداية الموسم الدراسي إلى نهايته، خاصة بالنسبة للبلدان التي اختارت التعليم الحضوري، حيث سيفرض ارتفاع العدوى أو ظهور بؤر جديدة لفيروس كورونا في المؤسسات التعليمية، وقف التعليم الحضوري والعودة إلى التعليم عن بُعد مرحليا. حدث هذا في عدد من المؤسسات التعليمية بفرنسا، وهنالك نقاش في هذا الاتجاه في بعض الجهات بألمانيا، منذ يوم الأربعاء الماضي. وربما يمتد الجدل في الموضوع إلى دول أخرى. في بلادنا، اتخذت وزارة التربية الوطنية قرارها بعودة التلاميذ للأقسام في يوم 7 شتنبر 2020، دون أن يكون حول القرار إجماع لأنه لم يأت مصحوبا بما يطمئن الأسر بخصوص الحيثيات التنفيذية ويخفف من الارتباك بسبب غياب حلول لإكراهات تربوية ولوجيستيكية ومادية وصحية مطروحة بقوة، خاصة أن الجميع مقتنع باستحالة تحقيق فعالية التعلم عن بُعد، وفي نفس الوقت قلق من وجود مخاطر في حالة التعليم الحضوري بسبب الوضعية الوبائية وإمكانية انتقال العدوى. ومع ما لوحظ من تصاعد لحالات الإصابة بالفيروس خلال الأسبوعين الأخيرين، وتحطيم الرقم القياسي الوطني بتسجيل رقم 2234 حالة جديدة للإصابة بفيروس كورونا، في ليلة الدخول المدرسي المبرمج الإثنين، وبالنظر إلى ما يبدو أنها حالة ارتباك حقيقي بين مؤسسات تعليمية توجد في مناطق بؤر وبائية، لن تفتح أبوابها لاستقبال التلاميذ، ومؤسسات خاصة أعلنت تأجيل الدخول لأيام، وبين وضعية تعليم حضوري سيفرض تكدسا على اعتبار أن أكثر من ثمانين بالمائة من الأسر اختارته لعدم إيمانها بالتعليم عن بُعد، لا أستطيع منع نفسي من طرح سؤال حول سبب رفض تأخير انطلاق الموسم الدراسي شهرا واحدا، حتى نتأكد من إعادة التحكم في الوضع الوبائي ونضمن انطلاقة في ظروف تكون فيها الثقة والطمأنينة قد تعززت لدى المواطنين؟ ما الذي يجبرنا على الدخول في ارتباك تربوي وتدبيري للمؤسسات التعليمية، سيكون محفوفا بمخاطر انتشار واسع للوباء بسبب تحرك التلاميذ بين مدارسهم وأحيائهم، عوض أن نتريث ونستمر في رصد الأثر الإيجابي للإجراءات التي اتخذتها السلطات العمومية مؤخرا بفرض رقابة أكثر صرامة على عدد من الفضاءات الخدماتية والتجارية التي كانت تتيح التجمعات من قبل، في مجهود كبير لأطر الإدارة الترابية والإدارة العامة للأمن الوطني والدرك الملكي والقوات المساعدة؟ ألم يكن الأجدى هو استثمار مدة شهر إضافي كي نركز جهودنا التواصلية بشكل ناجع، ونستثمر الواقع الذي لاحظناه مباشرة بعد الرسالة التوعوية التي حملها الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد ثورة الملك والشعب، ومن تجلياته تجدد وعي المواطنين بإجراءات الوقاية، وعودة احترام وضع الكمامات، والتباعد الجسدي وتجنب التجمعات؟ أليس الأفيد هو أن نمنح أكاديميات التربية والتكوين فرصة اتخاذ ترتيبات لوجيستيكية إضافية، سواء بغرض توفير شروط التباعد الجسدي وشروط ضمان الوقاية للتلاميذ والأساتذة والأطر التربوية والإدارية، في حالة التعليم الحضوري، خاصة بالمدارس التي تعرف عجزا في بنيتها وتجهيزاتها الصحية (مراحيض / ماء صالح للشرب)، واتخاذ ترتيبات إضافية بتعاون مع السلطات المحلية ومع المجالس المنتخبة، للتأكد من توفر غالبية التلاميذ، خاصة في العالم القروي وفي المجالات الجغرافية الفقيرة، على الحد الأدنى من شروط الدراسة عن بُعد، من ربط بالأنترنيت ولوجيستيك معلوماتي يفي بالغرض؟ هذه التساؤلات تؤكد لي أن علينا أن لا نتسرع، وأن نحرص على تعزيز التفاعل الإيجابي للمواطنين مع خطوات تدبير الأزمة والجائحة، ولا نستهين بحاجتنا إلى مزيد من مجهود التوعية وإبداع أشكال تواصلية جديدة تستهدف التلاميذ والشباب بشكل أكبر، قبل تركهم يعودون للمدارس والمعاهد. لكن، أما وقرار استئناف الدراسة يوم الاثنين 7 شتنبر، قد أصبح أمرا واقعا، فليس أمامنا إلا أن نلتمس اللطف كي تمر الأمور في جو من الانضباط والتعاون بين الأسر وبين المؤسسات التعليمية حتى نضمن السلامة للجميع، لأن صحة وحياة أبنائنا هي ما يهمنا جميعا. في هذا السياق، أثار انتباهي رسم كاريكاتوري منشور في غلاف مجلة فرنسية، يظهر فيه تلميذ وتلميذة يتوجهون للمدرسة وهم يحملون على ظهورهم ثابوث الموتى عوض المحفظة، وإلى جانب الصورة سؤال ثقيل المعنى: "هل سينهون السنة؟". بمعنى "بعد عودتهم لاستئناف الدراسة، هل سيظل التلاميذ أحياء حتى نهاية الموسم؟". المهم في السؤال أنه يحمل تعبيرا عن فكرة مُبطنة، هي من أقوى أسباب القلق والخوف من الدخول المدرسي وما قد يحمله لا قدر الله. ولا شك أن السؤال فيه استفزاز للخيال الجمعي بشكل يستوجب روح المسؤولية وعدم التصلب في الرأي في نقاش مسألة تهم ملايين الأطفال الذين يستحقون أن لا نتسرع في اتخاذ قرارات دون التأكد أنها لا تمس سلامتهم أو حياتهم. بذلك، سنؤكد أننا نحترم حق كل أب وأم أن يروا أبنائهم أحياء حتى نهاية الموسم الدراسي وبعده. بدون شك أن الحياة يجب أن لا تتوقف بسبب الوباء، وأن علينا أن نأخذ بالأسباب الوقائية ونتأقلم مع الوضع، ونتعايش مع الفيروس لأشهر أخرى، وربما لسنة إضافية، في انتظار ظهور دواء أو لقاح فعال. لكن، لماذا كل هذا الرفض لفكرة أخذ حيز زمني إضافي بسيط لنحسم نهائيا فيما إذا كان الأجدى أن نعتمد التعليم حضوريا مع احترام ضوابط الوقاية، أو أن نعتمد التعليم عن بُعد مع توفير شروطه التربوية والتأطيرية والتقنية واللوجيستيكية الواجبة، أم نجمع بين الأمرين وفق شروط تربوية معينة واضحة، بعد أن نكون قد حاصرنا الوباء مجددا، واحتكمنا في اختياراتنا لمعايير صحية واضحة ؟ أليس المهم، كيفما كان اختيارنا لطريقة التعليم، أن نلتزم بقاعدة المساواة في الحقوق بين كل أطفال المغرب كيفما كانت مستوياتهم الاجتماعية ومناطق تواجدهم، حتى يستفيد الجميع من الحق الدستوري في تعليم ذي جودة يحقق الإدماج المعرفي والثقافي؟ هل هنالك من له اليقين أن هذه القاعدة ستكون محترمة في ظل ما نحن فيه من تدابير ؟ بدون شك، حساسية الوضع الوبائي تترك الباب مفتوحا أمام احتمال تسجيل انتكاسة جديدة بشكل أكبر. لذلك، المفروض أن نلتزم جميعا بأعلى درجات ضبط النفس، ونتجرد من أي حسابات إلا ما كانت فيه مصلحة المواطنين، وأن يتعاون كل الفاعلين لتضييق مسببات التوجس من الدخول المدرسي وتعزيز الثقة لدى المواطنين في أن كل شيء سيتم بشكل يحمي مصالح أبنائهم وسلامتهم الصحية، ويحفظ المنظومة التعليمية الوطنية، العمومية والخاصة، من أي ارتباك. يجب أن يبقى الهدف الأول هو أن يتعلم أبنائنا ويظلوا أحياء، هم وأساتذتهم خلال السنة الدراسية. لذا، علينا أن نستحضر جيدا السؤال المُزعج للمجلة التي تحدثت عنه أعلاه "هل سيُنهون السنة؟". وكي نبلور جوابا مشرفا، على كل منا أن يفكر كما لو أن له أسرة من ثمانية ملايين طفل، يؤطرهم تربويا نساء ورجال يستحقون الدعم والمساندة، وأن نقوم بمجهود جماعي لإيصال "سفينة الموسم الدراسي" إلى بر الأمان، لنحتفل شهر يوليوز القادم، بنهاية سعيدة لموسم كنا فيه استثنائيين ومتميزين بتشبثنا بروح المواطنة والغيرة الوطنية الحقة، ولم نتصلب لأراء قد تحتمل الخطأ وسوء التقدير.