قبل عام من الآن وتحديدا يوم 13 نونبر 2020، نجحت القوات المسلحة الملكية بشكل سلمي وبحرفية عالية، في تأمين معبر الكركرات وتطهيره من حماقات مرتزقة البوليساريو، التي راهنت وحاضنتها الجزائر على المساس بالمصالح الاقتصادية والاستراتيجية الوطنية، عبر قطع المغرب من عمقه الإفريقي ووضع قضية الصحراء المغربية، أمام واقع جديد مبني على أدوات العصابات وقطاع الطرق وصناع الاضطراب والفوضى، وهذا الحدث يتجاوز حدود إجلاء قطاع طرق من المنطقة وتأمين المعبر الحدودي الذي يعد البوابة التجارية للمغرب نحو العمق الإفريقي، ليرتقي إلى مستوى الحدث المفصلي البارز في تاريخ قضية الوحدة الترابية للمملكة، لما ترتب عنه من متغيرات جيوسياسية جديدة، من عناوينها البارزة الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وتوالي الاعترافات بسيادة المغرب على صحرائه، وانخراط مجموعة من الدول الشقيقة والصديقة في دبلوماسية القنصليات، وتحول جهات الصحراء إلى واجهة اقتصادية وتنموية جذابة ومحفزة على الاستثمار. وهذه المتغيرات الدبلوماسية والاقتصادية والتنموية، ما هي إلا مرآة عاكسة لتشكل استراتيجية مغربية جديدة في التعامل مع قضية الوحدة الترابية، تجمع بين "الدبلوماسية" عبر الرهان على دبلوماسية القنصليات واقتحام خلوة بعض الدول التي لازالت تقف في صف أطروحة الانفصال أو تقف بين المنزلتين، بدفعها إلى تغيير مواقفها، و "الاقتصادية والتنموية" عبر الرفع من إيقاعات التنمية في الصحراء وجعلها وجهة مفضلة للاستثمار الوطني والأجنبي، وتسريع الأوراش المرتبطة بالنموذج التنموي للصحراء، و"الأمنية" عبر تأمين الحدود المغربية بالموارد البشرية اللازمة وباستعمال أحدث الوسائل التقنية واللوجستية في مراقبة الحدود، والتعامل الصارم والحازم مع تحركات وحماقات مرتزقة الوهم والعار، التي باتت على بينة واطلاع، في أن الاقتراب من الجدار الأمني المغربي، معناه الانتحار والهلاك، و"القانونية" عبر الالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بالنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، بما فيها الالتزام بوقف إطلاق النار، والتعامل الجدي والمسؤول مع المبعوث الأممي حول الصحراء، بما يضمن الوصول إلى تسوية نهائية لهذا النزاع المفتعل في ظل السيادة المغربية. استراتيجية مغربية متعددة الزوايا، يحضر فيها "التبصر" و"التعقل" في التعامل مع حماقات نظام السوء الذي يبقى أساس النزاع المفتعل حول الصحراء وسر وجوده واستمراريته، كما تحضر فيها "الواقعية" و"المسؤولية" في التعامل مع بعض الشركاء وخاصة الأوربيين منهم، الذين تعاملوا طيلة عقود مع قضية الوحدة الترابية بنوع من "ازدواجية المواقف"، وهذا الواقع، لم يعد ممكنا أن يقبل به مغرب اليوم، بل لم تعد هذه الازدواجية، تكفي لمد جسور الشراكة والتعاون مع المغرب، الذي بات اليوم، يبحث عن شركاء حقيقيين، ينخرطون بدون خلفيات أو حسابات، في دينامية القنصليات ويقبلون على الاعتراف الكامل واللامشروط بسيادة المغرب على كافة ترابه من طنجة إلى الكويرة، وبين مفردات "التبصر" و"التعقل" و"الواقعية" و"المسؤولية"، تحضر مفاهيم "الصرامة" و"الحزم"، بالتأكيد أن "مغربية الصحراء" حسم أمرها من منطلق التاريخ والشرعية وإرادة ساكنتها وبتوالي الاعترافات الدولية، ولايمكن قطعا أن تكون موضوعا لأي تفاوض آني أومستقبلي مع أعداء وخصوم الوحدة الترابية، الذين حاولوا ممارسة السحر في الكركرات، لكن السحر انقلب عليهم في لحظة تهور وحماقة وانتحار. وعليه، وبناء على ما تحقق بعد واقعة الكركرات من متغيرات جيوسياسية ومكاسب متعددة المستويات، يستحق أن يكون هذا الحدث البارز(13 نونبر) عيدا وطنيا أو "ذكرى وطنية" على الأقل، ترصع قلادة الذاكرة النضالية الوطنية، في عهد الملك محمد السادس .. ملك البناء والنماء ومهندس ملحمة الكركرات، التي أبانت بجلاء أن "مغرب اليوم ليس كمغرب الأمس"، ونختم بالوقوف وقفة إجلال وإكبار وتقدير لأفراد القوات المسلحة الملكية المرابطة في الصحراء المغربية وعلى طول الحدود، والتي تضحي بالغالي والنفيس دفاعا عن وحدة الأرض وسلامة التراب، وهم بذلك، يستحقون كل الدعم والتحفيز، لأنهم جنود الوطن وعيونه التي لا تنام.