تمر العلاقات الأميركية – المغربية حاليا بأوقات عصيبة. فبعد روابط دافئة على نحو ثابت مع واشنطن خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، تتعامل إدارة الرئيس الحالي جو بايدن المملكة الآن ببرود. ورغم أن الإدارة الجديدة أعادت تأكيد التزامها بموقف الإدارة السابقة في ما يتعلق بسيادة الرباط على الصحراء الغربية، إلا أنها فشلت حتى الآن في فعل الكثير لتعزيز الفكرة. وفي الوقت ذاته، أدى الضغط المتزايد من منتقدي المملكة في الكونغرس الأميركي إلى بروز لغة تشريعية جديدة أكثر تقييدا في ما يخص التعاون العسكري بين البلدين. وقد أدى ذلك، إلى جانب مقال ناجح عن وزير الخارجية المغربي، في إحدى المجلات الرائدة في مجال السياسة الخارجية، إلى إضعاف الموقف السياسي المغربي في الأسابيع الأخيرة، على الأقل في ما يتصل بعلاقة المملكة مع واشنطن. ومع ذلك، فإن الوضع مختلف للغاية في أماكن أخرى. فمكانة المملكة في إفريقيا والشرق الأوسط، تتعزز بشكل لا لبس فيه، بدعم من اتجاهين مختلفين، على الأقل. الأول هو التنمية الأفريقية. ففي السنوات الأخيرة اتبعت المملكة استراتيجية منسقة لزيادة نفوذها وجاذبيتها في القارة. لقد حقق هذه الاستراتيجية بعض النجاحات الدبلوماسية الحقيقية، لا سيما على مدار جائحة فيروس كورونا، إذ ساعدت "الدبلوماسية الصحية" للرباط خلال الجائحة على توفير اللقاحات ومعدات الحماية الشخصية وغيرها من المساعدات للجيران الأقل ثراء. وفي النتيجة، برز المغرب كزعيم سياسي إقليمي و"بوابة إلى إفريقيا" بالنسبة للقوى الأجنبية المتحمسة للانفتاح على بقية القارة. والاتجاه الثاني هو الروابط المتنامية التي أطلقتها "اتفاقيات إبراهيم". فمنذ توقيعها في عام 2020، حفزت اتفاقيات التطبيع هذه موجة من النشاط الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي بين الأطراف المشارك فيها (إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب). لكن لتلك الاتفافيات أيضا تأثير في ما يتعلق بتقريب المملكة من الديناميكيات الإستراتيجية للشرق الأوسط. وهكذا، صادق مجلس التعاون الخليجي رسميا، في أحدث اجتماع قمة له، الشهر الماضي، على سيادة المغرب على الصحراء الغربية بأكملها. (وحذت جامعة الدول العربية حذوها، منذ ذلك الحين، واعترفت بخريطة المغرب الحديثة التي تشمل الصحراء الغربية). تمثل هذه الخطوات اعترافا بالواقع على الأرض في "الأقاليم الجنوبية" للمملكة، حيث عززت الرباط وجودها السياسي وشرعيتها منذ عهد ترامب. كما أنها، إلى حد ما، تحذير لخصم المغرب الإقليمي: الجزائر، التي طالما حلمت بتوسيع نفوذها الإقليمي الذي يستلزم إضعاف ادعاء المغرب ملكية الصحراء. ويعكس تطور الموقف الخليجي، كذلك، إدراكا متزايدا للفرص الاقتصادية التي تنطوي عليها الصحراء الغربية. فالمنطقة مهيأة الآن لفورة مشاريع أعمال جديدة، وتطوير، وتواصل، ودول الخليج الفارسي حريصة، كما هو متوقع، على الاستفادة منها. لكن كل هذه الديناميكية فشلت في إحداث صدى في العاصمة واشنطن – على الأقل حتى الآن. فليومنا هذا، لا يزال موقف إدارة بايدن تجاه المغرب فاترا في أحسن الأحوال، وجاء اعترافها بالصحراء الغربية مصحوبا بشروط محددة: أن تستأنف الرباط عملية السلام المحتضرة مع الجزائر، رغم الموقف العدائي المتزايد للأخيرة. علاوة على ذلك، وعلى الرغم من أن البيت الأبيض لم يلق بثقله وراء الاستثمار الأميركي في الصحراء الغربية بأي طريقة ذات مغزى – أوضحت إدارة البيت الأبيض أنها تتوقع، مع ذلك، أن تتخلى المملكة عن فرص أخرى (مثل المشاريع الاقتصادية التي تقدمها للصين). وقد أجبر ذلك المسؤولين في الرباط على التفكير في طرق لتحفيز التنمية الصحراوية دون التورط في المنافسة الاستراتيجية بين واشنطن وبكين. الاختلاف ملفت للنظر. ففي أفريقيا والخليج الفارسي يتوسع نفوذ المغرب. لكن في الولاياتالمتحدة تواجه المملكة مصاعب جديدة تنبع من تصلب المواقف الحزبية وتغير الأولويات السياسية بالنسبة لإدارة بايدن. كل ذلك يدعو إلى السؤال: ما الذي يراه العالم العربي ولا تراه واشنطن؟ *نائب رئيس المجلس الأميركي للسياسة الخارجية. خبير في الأمن الإقليمي للشرق الأوسط، وآسيا الوسطى وروسيا الاتحادية