خلوت وحيدا في جوف الليل فتذكرت الفائز بظل الله يوم لا ظل إلا ظله وفاضت عيني من الدمع، وبينما أنا أجفف دموعي طُرق علي الباب. ولما فتحته دخلت مستقيمة القامة بزيها الأبيض وأوقدت من حولي شمعتين. استغربت لفعلها وتظاهرتُ بالابتسامة قائلا: من الزائر؟! قالت : أنا الندم عما سلف بترك القبح أسعد، وبالعزم على عدم العودة أشهد، وبرد المظلمة أخلَّد. أنا النور من حولك و أسمى درجات الاعتذار،أنا منك إلى ربك ومن ربك عليك، أنا العشق تمزق قلبه أسفا على كثرة خطاياك،وعلى عنادك لم أنساك. جئت أخبرك أنه عند الشهقة سأتمرد . فهلا طاوعتني لنفر من الظلم إلى الصلاح خفية لا مراءاة للناس؟ أخجلني كلامها وأخذت نفسي تتهاوى انكسارا عندما شعرت أنها الحكمة تتكلم. ولما أدركتْ عجزي أشارتْ على الشمعتين لتشهرا في وجهي صحيفتين دُون فيهما شيء من القرآن. فأما الأولى ففيها:« وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً» النساء 18 وأما الثانية ففيها:« إن اهَه يحب التوابين ويحب المتطهرين » البقرة 222 ثم كشفت بين يديها على وردة بيضاء كتبت عليها ثلاثة حروف عربية متقطعة "التاء" و"الواو" و"الباء". حملقتُ في وجهها مستغربا. ولما أدركتْ ما يروج في ذهني من الأسئلة تناولت الشمعتين وألقت علي التحية بكفها الأيمن من بعيد وأغلقت من ورائها الباب. فيما عدت أنا أربط بين الحروف المدونة على الوردة في علاقتها بما دون على الصحائف من آيات، لأدرك أن الجمع بين الحروف الثلاثة يكون نتيجه "توب" وعند ابن فارس في مادة "توب" :"التاء" و"الواو" و"الباء" كلمة واحدة تدل على الرجوع" وتاب من ذنبه أي رجع عنه، والتوب يعني التوبة طبقا لقوله تعالى في الأية الثالثة من سورة غافر: «وَقَابِلِ التَّوْبِ» وقال ابن منظور أيضا: " وتاب إلى الله يتوب توباً، وتوبة، ومتاباً: أناب، ورجع عن المعصية إلى الطاعة ". هي التوبة في جمالها الملائكي تدعوني إلى الطريق الحق، بل وإلى معاشرة المخلوقات النورانية التي أبت إلا أن تغادر العالم الطيني الذي لم تستطع كائناته تحمل مشقة الصعود.