"الترحيل القسري اغتصاب للشرف وتدنيس للكرامة" * باريس.. حاوره أحمد الميداوي من وسط التجمع الحاشد أمام مقر وزارة الهجرة بباريس احتجاجا على ترحيل التلميذ المغربي، محمد أبورار، انفردت "العلم" بمؤسس جمعية "شبكة تربية بل حدود"، ريشار موايون، ليقول سخطه على سياسة الترحيل كما تمارسها الأجهزة الأمنية بأسلوبها المهين للكرامة البشرية..ويبدي موقفه من عمليات التصيد التي يقوم بها البوليس أمام المدارس والثانويات لاستنطاق التلاميذ عن أوضاع آبائهم واقتيادهم بعد ذلك إلى مقر سكناهم لاعتقالهم تمهيدا لترحيل الجميع أطفالا وآباء إلى موطنهم الأصلي في أجواء من التنكيل والإذلال. ذنب هؤلاء أنهم فروا من التهميش والبطالة والفساد المتأصل في أوطانهم.. سؤال: هل لك أن تشرح لنا في البداية العلاقة بين التعبئة من أجل المتمدرسين المهاجرين وتسمية الجمعية؟ جواب: ازدادت "شبكة تربية بلا حدود" وترعرعت في أحضان المدارس والثانويات بعد أن تبين لمؤسسيها أن جزءا لا يستهان به من روادها يعيش كل يوم تحت هاجس الخوف من أن يصبح يوما ضمن قافلة المرحلين. وقد التأمنا سنة 2005 لنشكل ذراعا وقائيا لهؤلاء التلاميذ الذين شاءت إرادة السلطات أن تفصلهم عن آبائهم كما عزل الأزواج عن زوجاتهم. ونضالنا سيتواصل في هذا الاتجاه حتى نتوصل إلى قوانين أخرى غير تلك التي تنص على ترحيل الأطفال إلى بلدانهم. سؤال: كيف تقرأ سياسة الأرقام التي تعطي لكل عمالة كوطا محددة من الترحيلات؟ جواب: لا أجد لها وصفا أنسب من كونها سياسة بغيضة. فالأرقام التي يتفاخر بها وزير الداخلية اليوم (ما يقارب 30 ألف ترحيل سنة 2016)، لا تخدم فرنسا في شيء. وكان حري به بدل أن يتحدث عن 30 ألف شخص، أن يقول في مؤتمره الصحفي المخجل :"لقد رحّلنا 30 ألف رأس، أي ما يزن عشرة آلاف طن من اللحوم البشرية"، ما دام الأمر يتعلق بكوطات محددة يتعين على كل عمالة الوفاء بها، وكأنها تتعامل مع قطيع من الأغنام. ثم إن هذه الأرقام تعكس التحامل البغيض للسلطات على ما تعتبرهم بشرا دونيين. قد تكون السلطات على جانب من الصواب حينما تتحدث عن الهجرة المفروضة وضرورة مقاومتها. جواب: طروحات الأحزاب السياسية المنقولة حرفيا عن اليمين المتطرف فيما يتعلق بالهجرة المفروضة أو الانتقائية، تطرح أكثر من سؤال حول نواياها السياسية الحقيقية في ظل ترسانة القوانين المجحفة التي مهد لها بإحداث وزارة الهجرة والهوية الوطنية. فالشعارات التي ترفعها منذ سنتين مثل" : نحب فرنسا أو نغادرها"، هي شعارات مأخوذة حرفيا من اليمين العنصري. ويحاول الترويج لها من خلال إثارة ما يسميه بالهجرة المفروضة. ثم إن الترحيل القسري هو إذلال قبل أن يكون نكبة.. هو اغتصاب للشرف وتدنيس للكرامة البشرية، لاسيما إذا كان مقرونا بفصل الأبناء عن آبائهم وحرما التلاميذ من حقهم الأساسي في التمدرس. سؤال: وموقف الفرنسيين بشكل عام من هذه الترحيلات؟ جواب: لربما يحاول اليسار وبعض المحسوبين على التيار اليميني إقناع الفرنسيين بأن المهاجرين في بعدهم العربي والإفريقي يمثلون الخطر الفعلي على الهوية الفرنسية. ويحاول في سياق ذلك الترويج لشعارات مناهضة لتواجدهم. غير أن تلك الشعارات لا تلقى تجاوبا مع الفرنسيين في معظمهم. فالعنصرية المتواجدة بالفعل، تمارسها مؤسسات أو أجهزة محسوبة على الدولة أكثر مما يمارسها الشعب العادي الذي يتجاور يوميا مع الآخرين في إطار احترام خصوصيات الأجناس المختلفة. والعنصرية خلقتها الدولة الفرنسية بالإهمال لشؤون المهاجرين وما ينتج عن ذلك من استيطان في هوامش المدن التي أهملتها الحكومات من كل التيارات السياسية. ويبدو لي أن تعاطف الفرنسيين مع المهاجرين في تصاعد مستمر. ودليلي على ذلك التجمع الحاشد أول أمس في يوم ممطر وقارس من أجل عودة التلميذ المغربي محمد العوني (18 سنة) الذي طرد بشكل عبثي إلى بلده الأصلي تحت ذريعة عدم توفره على أوراق الإقامة. سؤال: هلا حدثتنا عن الأسباب الكامنة وراء طرده. جواب: لقد أوقفته السلطات الفرنسية ومعه اثنين من رفاقه بالقرب من محطة "مونبارناس" بباريس بتهمة تناول الخمر في مدار محظور. ولم يجد رجال الشرطة من تهمة للإبقاء عليه في مركز الاعتقال سوى أنه هددهم بالقتل، وهي التهمة التي رفضت النيابة العامة إدراجها في ملف الطرد، والتي أضعها أنا شخصيا في خانة "التلفيق المعتاد من طرف وزارة الداخلية لتبرير ترحيل من ترغب في ترحيله". والملف في هذه النازلة هو المدة الزمنية القياسية التي تم ترحيله فيها حيث ما بين إلقاء القبض عليه ووضعه في مركز الاعتقال ومحاكمته ثم ترحيله، لم تتجاوز المدة أسبوعا، مما يعكس المطاردة الممنهجة للسلطات لمن تسميهم بالمهاجرين غير الشرعيين. والأمر البغيض أيضا هو أن أجهزة الأمن التي اقتادت الشاب محمد مكبلا مهانا إلى قلب الطائرة في اتجاه المغرب، لم تسمح له حتى بتوديع أصدقائه وعائلته وخصوصا والده المريض الذي استقدمته فرنسا في السبعينات حينما كانت لديها حاجة ملحة للمهاجرين. سؤال: وما أنتم فاعلون اليوم وغدا حتى يعود إلى ذويه ودراسته؟ جواب: ليس أمامنا من خيار سوى مواصلة حملة التضامن مع محمد. سؤال: ومتى كانت الحملات التضامنية رادعا لقرار السلطات سيما وأن مثل هذه الحملات غالبا ما تخمد بعد الفورات الأولى من الاحتجاجات؟ جواب: ما يبعث على التفاؤل هو أن الحملة لا تقودها شبكة تربية بلا حدود والمنظمات الحقوقية وحدها، بل ينضاف إليهما بشكل أكثر تحمسا التلاميذ والمدرّسين ونقابات التعليم وفعاليات مدنية وحقوقية أخرى. وأنا واثق من أن حملة التضامن هاته ستعطي بالتأكيد أكلها إذا ما استمرت على هذا الشكل مدعومة بوسائل الإعلام الفرنسية وحتى المغربية التي نأمل منها موقفا داعما بقوة لتحركاتنا. سؤال: هل نجحتم من قبل في الحصول على عودة بعض المطرودين إلى فرنسا؟ جوا: نعم..لنا عدة حالات منها ثلاث في نفس المؤسسة، أذكر منها التلميذة سوزيلين المنحدرة من الرأس الأخضر والتي تم ترحيلها سنة 2015 من نفس الثانوية التي يدرس بها. وأستحضر بكثير من الاعتزاز التجمعات والمظاهرات العديدة التي قمنا بها نحن وتلاميذ المؤسسة وتوجت بعودة التلميذة السنغالية التي استقبلناها في حفل بهيج بالقاعة الشرفية بمطار أورلي. ريشار موايون