إذا كانت حكومة الدكتور سعد الدين العثماني نجحت في أمر ما، في تعاطيها مع الحملة الشعبية العارمة المقاطعة لبعض المنتوجات السائلة، هي أنها نجحت في نقل المقاطعة من موقعها الطبيعي الذي ولدت فيه، بمبررات واضحة لم تكن تحتاج إلى أي جهد لإدراك مضامينها، إلى موقع آخر تماما. فحملة المقاطعة انطلقت بمبادرات معلومة أو مجهولة – الأمر لايهم- والحقيقة أنها لاقت تجاوبا كبيرا وعارما لأنها استهدفت الطبقة الوسطى التي تلقت ضربات موجعة من الحكومة السابقة والحالية، بحيث أن جميع القرارات الاجتماعية والاقتصادية التي اتخذت خلال السنين القليلة الماضية (إلغاء صندوق المقاصة وتحرير أسعار المحروقات – إصلاح أنظمة التقاعد – الارتفاع المهول في أسعار الكهرباء وغيرها) دفعت الطبقة الوسطى تكلفتها غاليا جدا. وكان واضحا أن التفسير السياسي هو الصيغة المناسبة لفهم النجاح الكبير والسريع لحملة المقاطعة. وهذا التفسير السياسي كان ولايزال واضحا فيما تعج به الممارسة السياسية من تطورات مثيرة لاتمت بصلة للسياق الذي بشر به دستور 2011، وفي ممارسات أقحمت المال في السياسة أو السياسة في المال. حكومة سعد الدين العثماني نجحت في أنها نقلت هذه المعركة من المواجهة مع أطراف معينة إلى داخل الحكومة والحزب الذي يرأس هذه الحكومة. بمعنى أنها أدخلت النار الملتهبة إلى داخل الدار حيث تتوفر جميع عوامل ومؤشرات وعناصر الزيادة في التهاب النيران التي بدأت فعلا في إحراق سكان الدار. ربما كان البعض يعتقد في إمكانياته الهائلة لاخماد لهيب المقاطعة، ولهذا السبب قد يكون تطوع بأن يمسك بالجمرة بين كفيه، والنتيجة أنه شرع في إشعال النيران في جسده، أو قد يتعلق الأمر بالتورط في وضعية، أو في دور لم يكن من بديل عن القيام به، والنتيجة أيضا أن الجهة المعنية والمقصودة بحملة المقاطعة توارت إلى الخلف وفسحت المجال لوزراء العدالة والتنمية للعب دور الكومبارس فيما جرى. موسم الحصاد في الحملة قد انطلق فعلا، وبدأت عملية اسقاط الرؤوس. *** بقلم // عبد الله البقالي *** للتواصل مع الكاتب: