يوم الثلاثاء 5 فبراير الجاري، قال سعيد أمزازي وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي ردا على سؤال بمجلس المستشارين: «..الحمد لله هناك إقبال على الكفاءات المغربية بكثرة على مستوى الدول الأوروبية وأمريكا وآسيا، وأنا أريد أن أبرز أهمية النظام التربوي والتعليمي الوطني، الذي يفرز لنا هذه الخبرات ويمكننا من تصدير بروفيلات..». أغلب الملاحظات أو الردود، التي أعقبت تصريح وزير التربية الوطنية، قالت، إن الوزير بهذا القول عبر عن سروره وتشجيعه لهجرة الكفاءات والأدمغة المغربية إلى الخارج. و بذلك تكون هذه الملاحظات والردود لامست معنى واحدا فقط من معاني ودلالات كثيرة وكثيرة جدا، يفهم منها على أن مسؤولا حكوميا، من المفترض أن يكون من العارفين الأوائل بحجم وخطورة الخصاص، الذي يعاني منه المغرب على مستوى الخبرات والكفاءات من أطر عليا ومهندسين وأطباء وباحثين، بدل تشجيعهم ودفعهم إلى الهجرة نحو الخارج وترك الجمل بما حمل. من جهة أخرى، كان من المفترض ألا يغطي هذا الوزير الشمس بالغربال، حين يكون الحديث عن قطاع التربية، لأنه هو الوزير القريب جدا من الإكراهات والصعاب التي يمر منها النظام التربوي المغربي.
مؤشر واحد يدل على أن المشاكل التي تتخبط فيها المنظومة التربوية، تستدعي من أي مسؤول كيف ما كانت مكانته وحجمه، ان يتريث، ويتعقل حين تطلب منه الإجابة عن سؤال حول التعليم في أي مجلس كان. الوزير أمزازي يعرف جيدا أن في التعليم الأولي مثلا، قبل الابتدائي أو الإعدادي أو أي مستوى من المستويات، قد بلغ عدد الأطفال في سن التمدرس، مليون و426 ألف طفل، منهم 699 ألف مسجل حاليا مع تفاوت الكبير بين المدن والقرى، ويبلغ عدد مؤسسات التعليم الأولي 23 ألف مؤسسة وعدد المربيات والمربين 28 ألفا.
وكان أمزازي نفسه، وقف في مجلس حكومي في يوليوز الماضي عند المشاكل في هذا المستوى فقط، وقال إنها تتمثل في ضعف التمويل وغياب إطار مرجعي موحد وتباين بين العالم القروي وعالم المدن، وغياب آليات المراقبة والتقييم، وطالب الحكومة، التي هو عضو فيها، بتعميم وتطوير التعليم الأولي، لأنه شرط أساسي للنجاح الدراسي وتقليص الهدر المدرسي وضمان الاندماج في المجتمع، وفي سوق الشغل. ولا داعي في هذا المقام لتحريك ماء بركة قطاع التربية والتكوين بالمغرب النتنة.
في مجلس المستشارين، الوزير أمزازي، استلهم كلمات من المعجم الاقتصادي حين تحدث عن هجرة الكفاءات، وكأننا به يناقش الصادرات والواردات في المعاملات التجارية بين المغرب والدول التي ذكرها. فما معنى، أن يقول، إن هناك إقبالا على الكفاءات المغربية من لدن الدول الأوروبية؟ وكأن الحديث هنا عن الحوامض أو الطماطم أو السمك أو أي منتوج يصدره المغرب ويكون لهذا المنتوج إقبال في الخارج.
لحدود الآن، لا أحد يقول للمغاربة، هل فعلا الأجوبة أو التصريحات التي يقدمها أي مسؤول حكومي، تلزمه هو شخصيا، أم أنها تخص الوزارة التي يتكلم باسمها، أو تلزم الحكومة برمتها، ولا أحد من السلطة التنفيذية قال يوما، إن مسؤولية ما قاله الوزير الفلاني ملقاة على جميع أعضاء الحكومة. وعلى ما يبدو، وخاصة في ما يتعلق بخرجات الوزراء التي نلاحظها هنا وهناك، والتي لا خيط ناظم بينها، فإن المثل القائل: « كل إناء بما فيه ينضح» ينطبق على هذه الحكومة.
في يوم السبت 9 فبراير الجاري، وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، أرادت أن تسل رئيسها من هذا المشكل كما تسل الشعرة من العجين، لكنها أخفقت ولم تفلح، وأصدرت بلاغا «ملخبطا»، وفي غاية التناقض، وألقت بالمسؤولية على وزارات أخرى، وقالت إن هجرة الكفاءات المغربية نحو الخارج تعد مسؤولية مشتركة بين عدة قطاعات وزارية، تقتضي المزيد من التعبئة للارتقاء بالنسيج الاقتصادي وإنجاح النموذج التنموي الجديد.
وزارة التربية الوطنية من خلال هذا البلاغ، لم تتريث مرة اخرى، وبرهنت عن عدم الإلمام بجسامة المسؤولية، وخرجت للرد على ما تداولته بعض الجرائد الورقية والإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي. وقالت إن المقالات التي وردت في هذه المواقع، تتضمن تأويلا مجانبا للصواب لجواب وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، على سؤال شفهي خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين، حول هجرة الأدمغة والكفاءات المغربية إلى الخارج.
الوزارة بهذا البلاغ، تعتقد ان المغاربة ينتظرون التبرير والتوضيح. الرأي العام لا يريد كلاما بل إرادة ومسؤولية وبرامج قابلة للترجمة والإنزال. إن وزارة التربية الوطنية، بدل أن تدخل مع الصحافة ووسائط التواصل الاجتماعي في معركة شد الحبل، عليها أن تكون واضحة مع نفسها، وتعلن في الايام المقبلة عمليا على أن مبدأ الالتقائية بين القطاعات واقع وليس شعار للاستهلاك، وأن الوزير والوزارة يعتبران هجرة الأدمغة والكفاءات المغربية إلى الخارج ليست مؤشرا على جودة التعليم بالمغرب، بل هناك خطأ ما يجب تصحيحه ويجب اجتثاثة من الجذر. وأن الدفاع عن الأخطاء لن يزيد التعليم إلا تأزما وأزمة، حتى لو آمنا أن حديث الوزير عن جودة التعليم، جاء في سياق جوابه عن السؤال الموجه له ولم يكن بصفة مطلقة، وإنما ارتباطا بالفئة المعنية بهذه الهجرة والتي تتكون بالأساس من مهندسين وأطباء وباحثين وأطر عليا في تخصصات محددة.