الاختلالات الكبيرة، التي كشف عنها المجلس الأعلى للتربية والتكوين، بخصوص قطاع التكوين المهني، حدت من أداء هذا القطاع ومن قدرته على إذكاء دينامية فعالة للتشغيل، ولإعداد الرأسمال البشري، الذي تحتاجه البلاد قصد تحقيق التحولات الاقتصادية والمجتمعية المرجوة. وأوضح تقرير المجلس الأعلى حول «التكوين المهني الأساس: مفاتيح من أجل إعادة البناء»، أن غياب تحديد دقيق ومؤسساتي للمهمة الاستراتيجية للتكوين المهني، وللأدوار المنوطة به، في إطار النموذج الوطني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لا يتناسب مع التوجهات الدولية.
وذكر التقرير ذاته أن الإطار التشريعي والمؤسساتي المنظم للتكوين المهني يعود تاريخه إلى أكثر من 30 سنة، وعلى الرغم من المراجعات والتعديلات التي طرأت عليها من أجل ملاءمتها مع المستجدات، فإنها تقتضي إعادة صياغة شاملة.
وأفاد أن العرض التكويني الخاص بالركود، وبالاقتصار على القطاعات التي تتطلب أقل الاستثمارات، فضلا عن ذلك، فإن أكثر من 66% من المؤسسات الخاصة ليست معتمدة، وتثار بشأنها العديد من التساؤلات حول نوعية التكوينات التي تمنحها وقيمة الشواهد التي تسلمها.
وذكر المصدر ذاته أن التكوين المهني لا يتوفر على أدوات ناجعة كفيلة بتمكينه من التحكم في تطوير سوق الشغل، والاستجابة للتحولات المفترضة أو الإدارية للقطاعات الاقتصادية والاجتماعية، وضمان يقظة استراتيجية حول هذا القطاع.
إن تعدد الفاعلين على مستوى قيادة التكوين المهني، وعلى صعيد تنفيذ السياسة العمومية في هذا المجال، إلى جانب تعقد نموذج التمويل، وتشتت مراكز اتخاذ القرار فيما يتعلق برصد الاعتمادات، انعكس سلبا على مهام التخطيط والتنسيق وتتبع التنفيذ، ويشكل غياب التحديد الواضح للأدوار والمسؤوليات، مصدرا مهما للصعوبات، ويحد من نجاعة حكامة التكوين المهني، مما يفضي إلى ضعف التنسيق ما بين الفاعلين، وغياب ضبط عروض التكوين.
وأشار إلى ضعف الاعتمادات المالية الضرورية، التي تظل غير كافية، وكذلك من حيث الكفاءات التدبيرية التي بمقدورها تحقيق التسيير الناجع للتكوين، وخلص التقرير إلى أن التكوين المهني يرتكز على عدد من المكونات الفرعية المنغلقة والتي تعرف ضعفا في التفاعل فيما بينها وبتواتر حالات هدر المجهود.
وتظل جاذبية التكوين المهني، حسب هذا التقرير، دون المستوى المطلوب لدى الجمهور المستهدف منه والذي تنظر إليه فئة كبيرة من هذا الجمهور، بمثابة مسار مخصص للمتعلمين في وضعية فشل دراسي، مما يحد من اختياراتهم من حيث استراتيجية النجاح الشخصي، وبالفعل فتراتبية المسالك داخل منظومتنا، تؤدي إلى توجيه نحو التكوين المهني، قائم على الاخفاق الدراسي.
وحسب الدراسة التي أجرتها الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس حول «تصور التكوين المهني» ورد التعبير عن التلازم بين التكوين المهني والفشل الدراسي في صيغ متعددة، «إنه اختيار لمن ليس له اختيار»، إنه «ملجأ الفشل»، إنه «ملجأ التلاميذ ذوي المعدلات الضعيفة». وتلاحظ هذه النظرة السلبية بشكل أكبر لدى تلامذة التعليم الإعدادي، بينما تقل لدى متدربي التكوين المهني.
وذكر أيضا صعوبة التجاوب مع الطلب الاجتماعي، باعتبار أن نسبة الإقبال، المسجلة على المستوى الوطني، تقدر بحوالي، ثلاثة مرشحين لكل مقعد بيداغوجي، مما يشير إلى حجم التفاوت بين الطلب الاجتماعي، وبين عرض التكوين المهني. بالإضافة إلى عدم الأخذ بعين الاعتبار، في عرض التكوين المتوفر، شرائح واسعة من الشباب، خصوصا منهم البالغين أقل من 16 سنة والموجودين في وضعية انقطاع دراسي، منقطعين عن الدراسة أو غير المتمدرسين، ما بين 12 و16 سنة والذين تقدر أعدادهم بما يناهز 130,000 طفل، كما أن شريحة من السكان المعوزين والمقيمين بالمناطق النائية عن المراكز الحضرية، لا تتاح لها فرص حقيقية للولوج إلى التكوينات ذات القيمة المضافة العالية من حيث الاندماج الاجتماعي والمهني.