في تفاعل وجودي ونفسي مع المكان والزمان ، ينطلق فيلم (طاكسي بيض ) لمنصف مالزي من صخب وضجيج وبلغة لاشعورية عنيفة تعكس فوضويتها وتحقق في حياتها من خلال معايشة المتفرج لشخصيات تنطلق عبر سيارة اجرة كبيرة كثيرا ما ارتبطت في ذاكرة المغاربة بكونها فضاء للعتبة والمرور من زمن الى زمن عبر بوابات اليومي ومشاكله التي لا تنتهي ….. كوميديا مغلفة بالدراما وبكل اشكال المأساة الاجتماعية يلعب فيها القدر دوره في خلق الصدمة الغير منتظرة وهي اشبه ما تكون بالصدفة اللامنطقية في الافلام الهندية التي تقحم المتفرج في متاهات احداث عير منتظرة وهو ما يجمع الشخصيات المسافرة الى الدارالبيضاء على متن الطاكسي ،سائقه علال البحراوي والمعلم الذي لا يرغب الا في الوصول الى خطيبته والشيخ العجوز او المخزني المتقاعد الذي يعاني من مرض في مثانته تجعله مضطرا الى توقيف الطاكسي كل مرة لقضاء حاجته وهو في الطريق لحضور دفن احد اقاربه ، وممرضة في طريقها لعمل انساني نبيل ومسافر اخر رفقة زوجته الحامل ، شخصيات تعيش التوتر من خلال الاحاديث الجانبية ، سواء ذاتية او موضوعية تتداخل فيها الاحزان والمسرات والنقاشات الحادة دون ان تفسد الود بينهم الا من حادثة سير مع سيارة لنقل المخدرات ستشكل منعطفا في حياة الركاب جميعا بعد ان تخلوا عن المرأة الحامل وزوجها في غابة بسبب الم المخاض وذلك بعد ان اجبرهم احد الناجين منها وهو تاجر المخدرات بوعوينة على الدخول في دوامة مغامرة مليئة بالأحداث الغريبة وبمواقف متباينة ستنتهي نهاية سعيدة ينتصر فيها الحق على الباطل . في فيلم (طاكسي بيض )استطاع المخرج مالزي ان يعزف على ايقاعات التحولات النفسية التي اصبح عليها المجتمع المغربي كمجتمع يميل الى العنف ،من قبيل اللغة المستعملة والاشارات والايحاءات والدلالات في تمازج وانصهار تقدم مشاهد من الحياة كمحطات تترابط في اعماق الشخصيات التي تصدم المتفرج وهو يعيش مفارقاتها الكوميدية ، ورغبتها في الانعتاق بالوصول الذي تأخر الى موعد لاحق ، جعلها تلتئم من اجل البحث عن خلاص الذي لن يأتي الا عن طريق وليد ذلك الشاب الذي عاش كل العذابات النفسية بسبب طلاق امه ونظرة الاخرين اليه كشخصية مهزوزة تعيش التوحد الا من هواية تربية الكلاب ، وهي صدمة للمتلقي الذي كان يعتقد ان الخلاص سياتي عن طريق الشرطة . لقد استطاع منصف مالزي في فيلم (طاكسي بيض)ان يعكس بعض الصور المجتمعية من جسد اجتماعي يعيش ضميره الشقي حيث لا المكان مكان ولا الزمان زمان اندفنت فيه القيم وتلاشى فيها الانسان المغربي الذي انفلت من عقال المودة وكل اشكال التواصل الانساني الى كائن يبحث عن مصالحه الخاصة جسدتها الصوة واللغة والضوء عبر خلق مناخ نفسي متوتر كمعادلة للشخصيات ولا المتفرج حيث الحياة محنطة ومقيدة بكل اشكال الوجود الذي ما عاد في متناول الجميع …